الموقع الرسمي للمستشار الدكتور




دعوى بطلان حكم التحكيم

مقدمة

أن معظم النظم القانونية تحاول ان تمارس قدرا معينا من الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية وتختلف هذه الرقابة على القرارات التحكيمية التي تصدر داخل إقليم الدولة عن تلك التي تصدر خارج اقليمها او ما تسمى بالقرارات التحكيمية الدولية او الأجنبية، ويلاحظ ان هذه الرقابة تقل شدتها وتمارس في تدقيق أمور معينة ومحدودة بالنسبة للقرارات الدولية كما هو ظاهر من نصوص القوانين الحديثة والملاحظ ان القرار التحكيمي يكون محلا للطعن مباشرة امام هيئة التحكيم المصدرة له او امام هيئة أخرى غير تلك التي أصدرته، بمعنى الطعن امام القضاء وبالتحديد المحكمة المختصة في الدولة.

وإذا تحقق من توافر سبب من أسباب البطلان أن يحكم بأبطال قرار التحكيم او الغائه، وفي بعض الأحيان تعديل القرار المذكور. اما الطعن بالقرار التحكيمي امام قاض في دولة أخرى (أي غير الدولة التي صدر فيها القرار) ففي هذه الحالة إذا تحقق القاضي من توافر بعض الأسباب فعندئذ يأمر بعدم الاعتراف ورفض التنفيذ للقرار التحكيمي.

وفيما يلي سوف نستعرض احكام بعض القواعد التحكيمية الدولية بخصوص الطعن واحكام الاتفاقيات الدولية، ثم نضرب امثلة من بعض القوانين العربية والأجنبية حول كيفية الطعن بالقرار التحكيمي.

 

المطلب الأول: الطعن في القرار التحكيمي دولياً

 

الفرع الأول: الطعن في القرار التحكيمي طبقاً لقواعد التحكيم الدولية

القاعدة العامة في التحكيم ان للطرفين المتنازعين الحرية التامة في الاتفاق على الجهة التي يصار اليها تقديم طلب الطعن في القرار التحكيمي وهذا يعني اهما يستطيعان الاتفاق على إمكانية الطعن في قرار التحكيم امام هيئة أخرى تعين من قبلهما غير تلك التي أصدرت القرار.

اما إذا لم يتفقا على ذلك فالأمر يترك الى احكام القواعد التحكيمية التي اختارها لسير عملية التحكيم بموجبها، وبعض القواعد التحكيمية الدولية المعروفة لا تنص على تعيين جهة معينة يصار امامها الطعن بالقرار التحكيمي. ومثال ذلك قواعد التحكيم التي أصدرتها لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة، وفي هذه الحالة يصار الى الطعن امام المحاكم المختصة. وبالمقابل هنالك قواعد تحكيمية دولية

 

 

 

تحدد الجهة التي يقدم اليها الطعن بالقرار، ومثال ذلك ما جاء في المادة 34 من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري، حيث اجازت لاحد الطرفين ان يطلب من رئيس مركز التحكيم ابطال القرار إذا توافر أحد

الأسباب التي أوردتها تلك المادة، ويقوم المكتب (أي المركز المنصوص على تشكيله في المادة من الاتفاقية) بتعيين لجنة من ثلاثة اشخاص لكي تفصل في الطلب.

 

ان عدم إعطاء الخصوم حق التوجه الى القضاء للطعن في قرار التحكيم كانت قد اخذت به اتفاقية واشنطن لعام [1]1965 قبل الاتفاقية العربية للتحكيم ويبدو ان نص الاتفاقية الأخيرة يتشابه مع نص المادة 52 من اتفاقية واشنطن التي منعت ايضاً الأطراف من اللجوء الى القضاء للطعن بقرار التحكيم الذي يصدره مركز التحكيم الذي انشأته الاتفاقية لحسم المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى.[2]

 

لكن بعض القواعد التحكيمية الدولية تعتبر القرار عند صدوره باتاً ونهائياً ولا يجوز الطعن فيه وتبرير ذلك ان قبول الطرفين حسم النزاع عن طريق التحكيم يعتبر قبولاً للقرار الذي يصدر حول النزاع المذكور، والقواعد التحكيمية التي اخذت بهذا المبدأ هي القواعد التي تتبعها بعض المؤسسات التي تمارس عملية تنظيم التحكيم حيث تنص القواعد التي تتبعها بعض المؤسسات التي تمارس عملية تنظيم التحكيم حيث تنص القواعد المذكورة على وجوب عرض مشروع القرار التحكيمي قبل صدوره على هيئة خاصة نصت عليها تلك القواعد وبعد إقرار مشروع القرار يصار الى توقيعه، وهذا يعني وجود رقابة مسبقة على القرار التحكيمي قبل صدوره لئلا يتضمن ما يخالف القانون او ما يضر بالمبادئ المعروفة في سير إجراءات المرافعة ومعاملة الطرفين على قدم المساواة.[3]

 

 

 

 

 

والمثال الذي يضرب على مثل هذه الحالة، ما نصت عليه قواعد الغرفة التجارية الدولية حيث جاء في المادة 21 وجوب عرض مشروع القرار على محكمة التحكيم ولا يصدر القرار الا بعد المصادقة عليه من قبل المحكمة المذكورة وعليه فقد نصت المادة 24 وتحت عنوان الصيغة النهائية والتنفيذية للقرار

على ما يلي: (1-قرار التحكيم نهائي. 2-بما ان الطرفين اخضعا نزاعهما لتحكيم غرفة التجارة الدولية فإنهما يلتزمان بتنفيذ القرار دون تأخير ويتنازلان عن جميع طرق الطعن التي يمكن ان يتنازلا عنها)

ان هذا النص لم يترك مجالا للطعن بقرار التحكيم امام القضاء وانما اوجدت نظاماً اخر يتضمن الرقابة المسبقة على صدور قرار التحكيم للتأكد من سلامته الشكلية والقانونية.

 

ولكن السؤال الذي يثار في هذا الصدد ما مدى إلزام هذه النصوص للقضاء الوطني الذي تعرض عليه طلبات الطعن؟ لا شك ان نصوص واحكام الاتفاقية الدولية تلزم الدول المنضمة اليها، اما القواعد الدولية للتحكيم فلا تلزم الدول باتباعها.

 

الفرع الثاني: الطعن في القرار التحكيمي طبقاً لنصوص الاتفاقيات الدولية

 

الاتفاقيات الدولية أخذت بالمبدأ الذي يعطي للقضاء حق الرقابة على القرارات التنفيذية، وهذا الموقف للاتفاقيات يجد أساساً له في نصوص التشريعات الوطنية التي تذهب غالبيتها الى إمكانية الطعن بالقرار التحكيمي.

فمثلاً الاتفاقية الأوروبية لعام 1961 [4]تبنت هذه الاتفاقية النص الذي جاءت به اتفاقية نيويورك في هذا الصدد وضمنته المادة التاسعة منها التي عددت بدورها أسباب إبطال القرار التحكيمي، وهنالك فرق بين الاتفاقيتين وهو أن الاتفاقية الأوروبية لكي يكون لقرار الابطال الذي صدر من محاكمها أثر بالنسبة للدولة المتعاقدة الأخرى التي يراد تنفيذ القرار في إقليمها وهذا الأمر ينطبق أيضاً على حالة الدولة التي تبطل محاكمها القرار التحكيمي عندما يكون القرار التحكيمي قد صدر بموجب قانونها.

 

 

 

 

أما بالنسبة لاتفاقية نيويورك لعام 1958 [5]فقد جاء في نص المادة الخامسة منها إمكانية إبطال القرار التحكيمي من قبل محاكم الدولة التي صدر فيها القرار أو من قبل الدولة التي صدر القرار بموجب قانونها، ويلاحظ أن الفرق بين ما جاء في اتفاقية جنيف واتفاقية نيويورك أن هذه الأخيرة قد أعطت السلطة المختصة في الدولة التي صدر القرار بموجب قانونها حق إبطال القرار التحكيمي بالإضافة الى إمكانية ذلك من قبل السلطة المختصة في الدولة التي صدر قرار التحكيم فيها.

 

اما اتفاقية جنيف لعام 1927 [6]فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية على إمكانية رفض تنفيذ القرار التحكيمي من قبل القاضي المراد منه إسباغ الصفة التنفيذية على القرار المذكور، إذا وجد أن هذا القرار كان قد تم إبطاله في الدولة التي صدر فيها، يفهم من هذا النص ان اتفاقية جنيف أخذت بإمكانية الطعن في القرار التحكيمي أمام محاكم الدولة التي صدر فيها ذلك القرار فإذا كان حكم تلك المحكمة هو إبطال القرار المذكور فيجوز لقاضي الدولة المراد تنفيذ القرار فيها أن يرفض تنفيذه بسبب صدور حكم البطلان. ويلاحظ في اتفاقية جنيف لم تشترط أن يكون القرار قد تم إبطاله في دولة متعاقدة أي منضمة الى الاتفاقية المذكورة، كما لم تشترط أن يكون قاضي الدولة الذي يرفض تنفيذ القرار الذي تم إبطاله من دولة متعاقدة.[7]

 

مما تقدم نستنتج أن الاتفاقيات الدولية المعينة بالتحكيم تعترف بإمكانية الطعن بالقرار التحكيمي أمام محاكم الدولة التي صدر فيها القرار التحكيمي أو أمام محاكم الدولة التي صدر القرار بموجب قانونها، ولم تشر الاتفاقيات الدولية الى طرق الطعن وإجراءاتها وانما تركت ذلك الى القوانين الداخلية للدولة المعينة، وإن إبطال القرار يصدر من محاكم إحدى الدول ولا يجوز صدور قرار بالبطلان من عدة دول وان أثر الحكم ببطلان القرار التحكيمي بالنسبة للدول الأخرى هو رفض الاعتراف ورفض تنفيذ القرار المذكور. 

 

 

المطلب الثاني: الطعن في القرار التحكيمي وطنياً

 

الفرع الاول: الطعن في القرار التحكيمي طبقاً لنصوص التشريع البحريني

 

أن قانون مملكة البحرين مرتبط بإحالته الى قانون الاونيسترال، وهو القانون الذي أعدته لجنة القانون التجاري الدولي[8]، وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر القانون المذكور دليلاً أو مصدراً يمكن استنباط الأحكام الخاصة بالتحكيم منه عندما تريد الدول إصدار قوانين جديدة أو تعديل قوانينها في هذا المجال،

وفيما يتعلق بالطعن في القرارات التحكيمية فقد نص القانون على طريقة واحدة وهي طلب إلغاء القرار وذلك في المادة 34 ونورد نص هذه المادة وهو كالتالي:

((1-لا يجوز الطعن في قرار التحكيم أمام إحدى المحاكم إلا بطلب إلغاء يقدم وفقاً للفقرتين 3،2 من هذه المادة.2-لا يجوز للمحكمة المسماة في المادة 6 أن تلغي أي قرار تحكيم[9] الا إذا قدم الطرف طالب الإلغاء دليلاً يثبت ذلك الطلب........)).

 

يشكل التفاوت الموجود في القوانين الوطنية والتشريعات التحكيم الدولية في عملية كيفية الطعن في القرار التحكيمي، المساحة الكبيرة المختلفة والمتنوعة من أنواع الطعن الجهات التي يقبل امامها الطعن والأسباب والتي تسبب قلقاً كبيراً لمن يتبعون التحكيم كوسيلة لفض النزاع، ولذلك في القانون البحريني لا يوجد الا نوع واحد للطعن واستبعاد أي نوع اخر من أنواع الطعن ينص عليه القانون الاجرائي للدولة المعينة، وهو تقديم طلب الغاء. ويجب ان يقدم الطلب في غضون ثلاثة أشهر من تسلم قرار التحكيم مادة 34. وفي تنظيم الطعن لا تمنع المادة 34 الطرف من التماس رقابة المحكمة على سبيل الدفاع في إجراءات الانفاذ المادة 35، 36 وتقتصر المادة 34 على رفع دعوى أمام محكمة، بيد أنه لا يحظر على الطرف أن يتقدم استئنافاً الى هيئة التحكيم من الدرجة الثانية إذا كان الأطراف قد اتفقا على هذه الامكانية. 

 

 

 

 

ويحتوي القانون البحريني (النموذجي) على قائمة حصرية بالأسباب التي يجوز الغاء قرار التحكيم استناداً اليها، وهذه القائمة مطابقة من حيث الجوهر للقائمة الواردة في المادة 36 /1 المقتبسة من المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك والأسباب المنصوص عليها في المادة 34/2 مبينة في فئتين، فالأسباب التي يجب أن

يبرهن عليها أحد الطرفين هي التالية، عدم أهلية الطرفين لإبرام اتفاق التحكيم، عدم وجود اتفاق تحكيم صحيح، عدم إخطار طرف بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو عدم استطاعة طرف عرض قضيته أن قرار التحكيم يتناول مسائل لا يشملها العرض على التحكيم، ان تشكيل هيئة التحكيم أو تسيير إجراءات التحكيم مخالف لاتفاق الطرفين الفعلي او، في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق، مخالف للقانون النموذجي والأسباب التي يجوز للمحكمة أن تنظر فيها من تلقاء نفسها هي التالية، عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم، أو مخالفة السياسة العامة (أي النظام العام).

 

اما بالنسبة للنهج الذي إطاره تكون أسباب إلغاء قرار التحكيم بموجب القانون النموذجي، فهي موازية لأسباب رفض الاعتراف بقرار التحكيم وإنفاذه بموجب المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك يذكر بالنهج المتبع في الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي جنيف 1961، فبموجب المادة التاسعة من الاتفاقية الأخيرة، لا يشكل قرار محكمة أجنبية أن تلغي قرار التحكيم لسبب غير الأسباب المذكورة في المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك سبباً لرفض الانفاذ، ويمضي القانون النموذجي خطوة الى الامام في هذا الاتجاه بتقييد أسباب الإلغاء تقييداً مباشراً.

 

ورغم أن الأسباب الإلغاء كما هي مبينة في المادة 34/2 تكاد أن تكون مطابقة لأسباب رفض الاعتراف أو تنفيذ كما هي مبينة في المادة 36/ 6 ينبغي ملاحظة الفارق العملي فطلب الإلغاء بموجب المادة 34/2 لا يجوز أن يقدم إلا الى محكمة في الدولة التي صدر فيها القرار، في حين أن طلب الانفاذ يمكن أن يقدم الى محكمة في أي دولة. [10]

 

 

 

 

 

 

الفرع الثاني: الطعن في القرار التحكيمي طبقاً لنصوص التشريع السعودي

 

المادة التاسعة والأربعين من نظام التحكيم السعودي[11] تنص على:

لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا النظام الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، عدا رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في هذا النظام. ​

ونصت المادة الخمسون من نظام التحكيم السعودي:

١-لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

أ -إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.

ب -إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية، أو ناقصها، وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.

ج -إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
د -إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع.

هـ -إذا شكلت هيئة التحكيم أو عين المحكمون على وجه مخالف لهذا النظام، أو لاتفاق الطرفين.

و -إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم وحدها.

ز-إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثّر في مضمونه، أو استند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثّرت فيه.

٢ -تقضي المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام.

 

 

 

٣ -لا ينقضي اتفاق التحكيم بصدور حكم المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم، ما لم يكن طرفا التحكيم قد اتفقا على ذلك، أو صدر حكم نص على إبطال اتفاق التحكيم.

٤ -تنظر المحكمة المختصة في دعوى البطلان في الحالات المشار إليها في هذه المادة، دون أن يكون لها فحص وقائع وموضوع النزاع. ​

ونصت المادة الحادية والخمسون من نظام التحكيم السعودي:

١ -ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم من أي من طرفيه خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغ ذلك الطرف بالحكم. ولا يحول تنازل مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم دون قبول الدعوى.
٢ -إذا حكمت المحكمة المختصة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون حكمها في ذلك غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن. أما إذا حكمت ببطلان حكم التحكيم، فيكون حكمها قابلاً للطعن خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ. ​

 

 يقصد بدعوى البطلان "وصف يلحق بالعمل الإجرائي الذي تخلف فيه أحد عناصره أو أحد شرائط صحته، ويمنعه من ترتيب آثاره القانونية لو كان العمل صحيحا. وتتميز عن غيرها من الدعاوى الموضوعية بوجود نظام اجرائي خاص بها، من حيث: تحديد حالتها على سبيل الحصر، وميعاد رفعها، وأثره على التنفيذ والمحكمة المختصة بها، وعدم تصديها لموضوع النزاع. ([12]) وقد حظر المشرع الطعن في حكم التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المحددة بموجب المادة (50) من نظام التحكيم السعودي إلا أنه أجاز مراجعة الحكم بغير طرق الطعن وإنما من خلال رفع دعوى أصليه ببطلان الحكم وفقا للأسباب المحددة بموجب المادة (50).

تتناول هذه المادة النظامية حالات أو اسباب بطلان احكام المُحكمين، حيث تنقسم أسباب بطلان أحكام المحكمين إلى حالات حصـــرية وحالات عامة.

 

اولا: الحالات الحصرية:

لقد وضع المنظم السعودي في المادة النظامية ال (50) من نظام التحكيم حالات معينة جاءت على سبيل الحصر’ بحيث بتحقق أي منها نكون بصدد حالة من حالات البطلان والتي تستوجب الطعن عليه باتباع

 

 

ما يسمي بــــ " دعوى البطلان "، والثابت بالنص النظامي أن المنظم السعودي حدد حالات البطلان في سبعة حالات وهي:

الحالة الأولى: إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.

الحالة الثانية: إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها، وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته، وهنا يكون اتفاق التحكيم قابلاً للإبطال لعدم توافر شرط الأهلية في أحد أطراف العلاقة التحكيمية، ومن ثم يكون حكم التحكيم باطلاً.

الحالة الثالثة: إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته، حيث عالج المنظم السعودي إجراءات التحكيم في الباب الرابع من نظام التحكيم ووضـــع حزمة من الإجراءات الواجب اتباعها ضماناً لصحة العملية التحكيمية، ومن هذه الإجراءات ما جاء في متون النصوص أرقام 30، 31، 32، 33، 35 منه، بحيث يترتب على مخالفة أي منها بطلان حكم التحكيم، مثل الحق في إبداء كافة وجوه الدفاع

بالصيغة المتفق عليه، وأيضاً الحق في الإبلاغ بكافة تفاصيل وإجراءات نظر الدعوى، الحق في حضور الجلسات وغيرها.

الحالة الرابعة : إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع لما كان التحكيم يقوم على تكريس واحترام مبدأ حرية الإرادة التي اتجهت نحو حسم نزاع ما بالآلية التي تراها وفى إطار نظام التحكيم بناء على اتفاق يثُبت فيه كافة الإجراءات الشكلية والنواحي الموضوعية للعملية التحكيمية ، فينبغي على هيئة التحكيم الالتزام بكافة ما جاء بهذا الاتفاق من بنود وتحديداً لكافة المسائل ، وعلى هيئة التحكيمية أن تلتزم بتطبيق ما تم تحديده بموجب إرادة الأطراف من قوانين وقواعد إجرائية حتى تُحصن حكمها من البطلان الذي يكون الجزاء لمخالفتها لما سبق .

الحالة الخامسة: اذا شُكلت هيئة التحكيم أو عين المُحكمون على وجه مخالف لهذا النظام أو لاتفاق الطرفين، وفى هذا المقام نقول أن تشكيل هيئة التحكيم يعتبر من قبيل الأمور التي يتم الاتفاق عليها بين أطراف التحكيم ومن المسائل المعتبرة التي تناولها النظام السعودي بكثير من الاهتمام، حيث أن تشكيل هيئة التحكيم من أساسيات صحة العملية التحكيمية وبدونها تُبطل أحكام التحكيم، كأن يكون تشكيل الهيئة

 

 

 

 قد تم على نحو يخالف العدد الوتري الذي اشترطه النظام أو أن يكون رئيس الهيئة غير حاصل على مؤهل جامعي في العلوم الشرعية أو النظامية.

الحالة السادسة: إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، وسبق الحديث عن أنه يُشترط لصحة اتفاق التحكيم أن يحدد المسائل التي يتناولها على وجه مُحدد لا لبس فيه، وإلا يكون قابلاً للإبطال

الحالة السابعة: إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، أو استند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثرت فيه.

 ونبدأ هنا بما جاء في عجز هذه الفقرة والتي هي تأكيد وتطبيق شامل لما سبق من مسببات للبطلان ليبقي الحديث عما جاء في صدر هذه الفقرة، حيث يكون من مسببات البطلان أن تخالف هيئة التحكيم الشرائط الشكلية الواجب توافرها في الحكم المنهي للخصومة، سواء كانت المخالفة لكافة الشرائط أو في جزء منها وهي أكثرها حدوثاً عملياً، ولكن يجوز عدم اعتبار انتفاء هذه الشروط الشكلية سبب للبطلان شريطة عدم التأثير في مضمون الحكم وما انتهي إليه من تقرير للحقوق.

 

ثانيا: حالات عامة

ويتمثل هذا الشق في إفراد المنظم حزمة من الأسباب العامة التي تُبطل حكم التحكيم، وهي بمثابة نطاق واسع قد يشمل تحت مظلته كل ما قد يطرأ من ظروف وملابسات وبنود تعاقدية أو اتفاقية غير منصوص عليها على سبيل الحصر في الفقرة الاولي من المادة النظامية رقم (50).

ومن هذه الاسباب العامة مخالفة أحكام الشــريعة الإسلامية، أو مخالفة أحكام نظام التحكيم أو اتفاق التحكيم أو النظام العام بالمملكة، وأخيراً إذا وقع التحكيم على مسائل مما لا يجوز التحكيم فيها، مثل مسائل الأحوال الشخصية والمسائل الجزائية التي لا يجوز الصلح فيها كما جاء في نصت المادة (2) من نظام التحكيم.

ونلاحظ أن سلطة المحكمة المختصة بنظر النزاع أصلاً والمنصوص عليها في المادة (8) معطلة حيال الدعوى التحكيمية لحين إقامة دعوي البطلان من قبل أطراف التحكيم الذين لابد من توافر شرطي الصفة والمصلحة في حقهما، ولكن أثناء نظر دعوي البطلان فإن الأصل أن المحكمة لا تقضي ولا تفصل إلا نطاق طلبات الخصوم أياً كان سبب البطلان، ولكن حرصاً من المنظم على تفعيل الأسباب العامة للبطلان جعل التصدي لها وبحثها من سلطة المحكمة التلقائية دون تعليقها على إبداء من الخصوم.

 

الخاتمة

ان الطبيعة الخاصة لحكم التحكيم لا تعني أن يكون هذا الحكم بعيدا عن رقابة القضاء في جميع الأحوال، فقد تظهر هذه الرقابة عند اللجوء إلى المحكمة المختصة بهدف تنفيذ هذا الحكم تنفيذا جبريا للتأكد من مراعاة الشروط التي حددها القانون لإصدار أمر بهذا التنفيذ، أو بهدف الطعن في الحكم للتأكد من مدى احترام القواعد القانونية، سواء كانت متعلقة باتفاق التحكيم أم بحكم التحكيم وإجراءات صدوره، مما يدعم فاعلية التحكيم، فالعلاقة ليست منقطعة بين التحكيم والقضاء لأن اللجوء إلى التحكيم بهدف حسم النزاع بعيدا عن القضاء لا يعني الاستغناء الكامل عن هذا القضاء، إنما يتم اللجوء إليه في جميع الأحوال التي تستدعي ذلك، سواء بهدف استمرار إجراءات التحكيم بما يكفل إصدار الحكم الفاصل في

النزاع كطلب إصدار أمر بإحضار شاهد، أم بهدف تنفيذ الحكم تنفيذًا جبريًا في حال تعذر التنفيذ الاختياري، أم بهدف الطعن في الحكم إذا توافرت أسباب ذلك. ويلاحظ أن القانون النموذجي شأنه شأن القوانين الحديثة لم يترك مجالاً للطعن بقرار التحكيم إلا بطلب الإلغاء وهي الطريقة الوحيدة كما ذكرنا، وقد عددت الأسباب التي يمكن الاستناد إليها في طلب الإلغاء وكما يظهر من نص الفقرة الرابعة من المادة 33 أن المحكمة قد تعيد القرار إلى هيئة التحكيم لتصحيح ما شابه من عيب ومثل هذا الإجراء معروف في بعض القوانين الوطنية كذلك بين القانون النموذجي في الفقرة الثالثة من المادة 33 التي يجب خلالها تقديم طلب الإلغاء.

 

النتائج

وفي الوقت الذي تحاول فيه القوانين الوطنية أن تمارس قدراً معيناً من الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية نجد بعض الاختلاف في الرقابة على القرارات التي تصدر داخل إقليم الدولة عن تلك التي تصدر خارج إقليمها، أو ما تسمى بالقرارات التحكيمية الدولية حيث تقل شدة الرقابة بالنسبة لهذه الأخيرة، ونجد هذا الأمر واضحاً في القوانين الحديثة التي عالجت دعوى الطعن بأحكام التحكيم، عليه يجب مراجعة تلك الاتفاقيات وعمل الموازنة بين الرقابة الداخلية والخارجية على احكام التحكيم.

 

 

والله الموافق

 


[1] الاتفاقية الدولية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى والمنعقدة في واشنطن بتاريخ 18/3/1965

[2] فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، دار الثقافة، عمان، 2012، ص 389

[3] محمد علي بني مقداد، المسلك السليم لإصدار وتنفيذ حكم التحكيم، دار اليازوري، عمان، 2013، ص171

[4] الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي والمعقودة في جنيف بتاريخ 1/4/1961

[5] اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها والمعقودة في نيويورك 1958

[6] الاتفاقية الدولية الخاصة بتنفيذ احكام التحكيم الأجنبية والمنعقدة في جنيف عام 1927

[7] إبراهيم الشواربي، ضوابط تنفيذ احكام المحكمين الأجنبية والوطنية، دار الفكر العربي، 2013، ص90 وما بعدها

[8] تقرير لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عن أعمال دورتها الثامنة عشرة للفترة من 3-21/7/1985.

[9] المادة السادسة نصت على قيام كل دولة بتسمية المحكمة أو المحاكم أو السلطة التي تتولى الوظائف الخاصة بالتحكيم.

[10] مذكرة ايضاحية من امانة الأونسيترال بشأن القانون للتحكيم النموذجي للتحكيم الدولي لعام 1985 بصيغته المعدلة عام 2006

[11] نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 34 لعام 1433.

[12] محمود عمر مسعود، الجديد في قانون التحكيم السعودي الجديد، ورشة عمل مقدمة في مركز المور للتدريب, 9-11/6/2012

مستجدات قانون التحكيم البحريني رقم 9 لسنة 2015م

مقدمة  يعتبر التحكيم وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم وتقترن احكام المحكمين وقراراتهم بالعدالة وحرية الرأي. والتحكيم قديم في نشؤه حيث [...]
إقرأ المزيد

ضمانات الإعلانات القضائية في القانون البحريني

مقدمة   يسعى القضاء الى توفير البيئة الخصبة للحماية القانونية او بالمعنى الادق حماية النظام القانوني كاملاً بحيث انه لا قانون بلا قاض[1]. لذا كان لزاماً عليه ان [...]
إقرأ المزيد

إجراءات التنفيذ القضائي المباشر

مقدمة ان التنفيذ المباشر وفقاً للقواعد العامة يكون مباشراً بمواجهة كافة أنواع الالتزامات القانونية والتي تتضمن علاقة مديونية بين دائن ومدين، وعليه يمكننا القول [...]
إقرأ المزيد