الموقع الرسمي للمستشار الدكتور




مستجدات قانون التحكيم البحريني رقم 9 لسنة 2015م

مقدمة

 يعتبر التحكيم وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم وتقترن احكام المحكمين وقراراتهم بالعدالة وحرية الرأي. والتحكيم قديم في نشؤه حيث عرفه القدماء في جميع الحقب الحضارية المتعاقبة حتى قال عنه ارسطو: (ان الاطراف المتنازعة يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي الا بالتشريع).

وازدهر التحكيم قبل الاسلام عند العرب وبرز العديد من المحكمين حيث ان كل قبيلة لها محكميها وكانت أبرز قضية قبل الاسلام حكم فيها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في رفع الصخرة المشرفة الى مكانها عندما اختلفت قبائل قريش عليها في حينه. وجاء الاسلام ليضع التحكيم في اهم موقع في الحياة وهو العلاقة الزوجية (فان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا بحكم من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما).

 

يتنامى عالمياً الاهتمام بالتحكيم التجاري الدولي في عصرنا الحديث، حيث يشهد العالم تحولاً واسعاً في طبيعة الأنشطة التجارية والاقتصادية التي يمارسها الأفراد والمنشآت، ونتيجة لأنظمة التجارة العالمية لتحويل الاقتصاد العالمي الى سوق مفتوح. كان لزاماً لمواكبة هذا التحول أن تتطور العديد من الأدوات المساندة للأنشطة الإنسانية، خاصة وأن الأعمال أخذت طابع التعقيد المتخصص، وأهمها طرق فض النزاعات وهذا ما دفع أصحاب الأعمال التجارية والصناعية في الكثير من الدول الى اللجوء الى أول وسيلة لفض النزاعات عرفتها البشرية وهي التحكيم.

 وقيام تلك الدول نتيجة لذلك بسن قوانين وأنظمة خاصة بالتحكيم التجاري الدولي لتنظيم إجراءات التحكيم ولتيسيرها، مما جعل إعطاء التحكيم الأولوية في فض المنازعات خاصة في العقود والاتفاقيات الدولية،

 أهمها اتفاقية نيويورك في سنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية والتي وقعت عليها 11 دولة عربية، والاتفاقية الأوروبية بخصوص التحكيم التجاري الدولي الموقعة في جنيف في نيسان سنة 1961 والترتيبات المتعلقة بتطبيق هذه الاتفاقية الموقعة في 17 ديسمبر كانون أول سنة 1962 واتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول المضيفة للاستثمارات وبين رعايا الدول الأجنبية الموقعة في آذار 1965 اضافة الى هذه الاتفاقيات الدولية توجد اتفاقيات عربية تتعلق بالتحكيم مثل واتفاقية تنفيذ الاحكام لسنة 1952، واتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار لسنة 1970 واتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الاخرى لسنة 1974، والاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية لسنة 1974، واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لسنة 1983، اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987.

وصولاً إلى القانون النموذجي (الأونسيترال) التي أخذت به اغلب دول العالم الصادر في 1985الى آخر تعديلات له 2010، والذي اعتمدت أحكامه بصيغتها على التحكيم التجاري في مملكة البحرين، وعليه سنناقش المستجدات على قانون رقم 9 لسنة 2015 وتأثيرها في العملية التحكيمية مقارنة بنصوص نظام التحكيم السعودي ضمن ثلاث مطالب الأول اتفاق التحكيم والثاني إجراءات التحكيم والثالث حكم التحكيم.

 

 

المطلب الأول: اتفاق التحكيم

 

فالتحكيم من حيث الطبيعة القانونية يبدأ باتفاق، والاجماع منعقد على ذلك[1] وسبق وان لاحظنا انه وسيلة استثنائية لفض المنازعات لان القاعدة العامة تقضي أن يتم فض المنازعات عن طريق القضاء، فجاء نص المادة السابعة فقرة /1 من قانون الأونسيترال في تعريفها لاتفاق التحكيم بجواز الاتفاق على سحب الاختصاص من صاحب الولاية العامة في فض المنازعات وهو القضاء وأحالته الى صاحب ولاية خاصة وهو التحكيم، على أن يكون هذا النزاع الذي نشأ او قد ينشأ ضمن علاقة قانونية محددة أي لا تخالف النظام العام، وأشار في النص على ان العلاقة ممكن ان تكون مبنية على المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية، واخيراً فرق النص ما بين صور الاتفاق في أنه ممكن أن يكون على صورة شرط أو مشارطة، فهو يمثل عقداً بين الأطراف شأنه شأن العقود الأخرى، لذلك فإنه يخضع لمبدأ سلطان الإرادة ومن ثم تنطبق عليه النظرية العامة للعقود.

 

ولما كان الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه لا يأتي إلا بالاعتراف باتفاق التحكيم وإقرار كل اركانه وضوابطه الشكلية والموضعية، إذ يؤثر اتفاق التحكيم من حيث صحته وبطلانه ومدى تجاوز نطاقه وقابلية موضوعه للتحكيم عند الفصل في النزاع أو عند تنفيذ الحكم الصادر فيه.

 

وان الركن الشكلي المتمثل في التعبير عن الإرادة عن طريق الكتابة، حيث تعد الكتابة اتفاقاً صريحاً على التحكيم فإذا قام الأطراف بإفراغ إرادتهم المشتركة بشأن اللجوء إلى التحكيم في محرر مكتوب بواسطتهم ومذيل بتوقيعاتهم جميعاً، فإن ذلك لا يثير أي صعوبة بشأن التحقق من وجود الاتفاق على التحكيم، حيث تعد هذه هي الصورة التقليدية لوجود اتفاق التحكيم والاعتداد به داخلياً ودولياً. ولكن من المستجدات التي جاء بها قانون الأونسيترال أن اعترف بوسائل الاتصال الحديثة كوسيلة للتعاقد، خاصة في مجال التجارة الدولية والتي تقوم على السرعة بالإضافة إلى الوسيلة التقليدية "التوقيع التقليدي على ورق معد سلفاً لذلك أو التوقيع باليد، لذلك فإننا نجد صورتين أو وسيلتين من وسائل إبرام الاتفاق:

 

الوسيلة الأولى: وهي الوسيلة التقليدية وهي عبارة عن التوقيع المباشر على اتفاق التحكيم مكتوب أو بموجب تبادل مستندات مكتوبة تدل في ذاتها أنها بمثابة رضاء الأطراف على المثول للتحكيم والموقع عليها من الأطراف.

أما الوسيلة الثانية: فتتمثل في إبرام اتفاق التحكيم في العقود لكن باستخدام الوسائل الحديثة في الاتصال وتبادل المكاتبات عبر النظم الإلكترونية الحديثة.

وهو ذات الاتجاه الذي تؤيده الأنظمة القانونية المختلفة، فعلى سبيل المثال: يتفق نظام التحكيم السعودي[2] مع نظيرة الفرنسي بخصوص اشتراط كتابة اتفاق التحكيم والتوقيع عليه، شرط التحكيم المادة

(1443/1) مرافعات فرنسي[3] بينما اختلفا بالنسبة للمشارطة، حيث لم يشترط القانون الفرنسي الكتابة (المادة 1449) بيد أنه وفقا للمادة (1507) من قانون التحكيم الفرنسي الحديث والصادر في 13 يناير 2011، لم يجعل الكتابة شرط انعقاد وإنما جعلها مجرد شرط للإثبات فقط ومن ثم جواز الاتفاق الشفهي، ومن ثم الدخول في إجراءات التحكيم.

 

أما بالنسبة للقانون النموذجي فقد اتفق مع نظام التحكيم السعودي فيما يتعلق بكتابة اتفاق التحكيم، ولكنه اختلف معه حيث لم يشترط القانون النموذجي ضرورة توقيع أطراف اتفاق التحكيم عليه، كما لم يقرر البطلان في حالة تخلف شرط الكتابة على عكس النظام السعودي، كما توسع القانون النموذجي وذلك في تقريره لصحة اتفاق تحكيم في حالة تخلف التوقيع على شرط أو مشارطة تحكيم  وذلك، إذا رفع المدعي دعوى تحكيم ولم يعترض المدعى عليه على تلك الدعوى التحكيمية  وترجع التيسير التي أتي بها هذا القانون إلى أنه يعد من القوانين ذات الطبيعة الدولية الاختيارية والتوجيهية للدول بحيث يجوز لكل دولة أن تختار ما يتناسب ويتلاءم مع النظام القانوني ويجوز لها أن تتجنب ما لا يتفق مع نظامها القانوني.[4]

 

وأشار القانون النموذجي في المادة الثامنة أنه يجب الدفع بوجود اتفاق تحكيم قبل الدخول في موضوع الدعوى أي دفع شكلي يأتي مع أول جلسة بالدعوى [5] ، ولكن وضع شرط على قبول هذا الدفع وهو ان يكون صحيحاً وليس لاغيا أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه.

 

وأن هذا الشرط مخالف لنص المادة 16/1 من ذات القانون الذي يشير الى مبدأ الاختصاص بالاختصاص وهو من أهم المبادئ التي ميزت التحكيم عن غيره من طرق فض المنازعات، حيث يقصد بمبدأ الاختصاص بالاختصاص أن لهيئة التحكيم دون غيرها ولاية الفصل في جميع ادعاءات التي تتناول أساس اختصاصها ونطاقه[6]، بمعنى أن المحكم يختص بتحديد اختصاصه ونظر المنازعات المتعلقة به فهو الذي يقرر ما إذا كان هنالك اتفاق تحكيم أم لا[7]، مما ينتج عن هذا الشرط المستجد عيب كبير وخروج عن ولاية التحكيم ، وهو ما استدركه المنظم السعودي في المادة 11/1 من نظام التحكيم السعودي الذي لم ينص على تفحص المحكمة لصحة الاتفاق قبل أن تحيله للتحكيم بل نص على انه      ( يجب على المحكمة التي يرفع اليها نزاع يوجد في شأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم جواز نظر الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل أي طلب او دفع في الدعوى).

 

ومن المستجدات في اتفاق التحكيم التي جاء بها القانون النموذجي الاونسيترال اجازته في المادة 10 /1 ضمنياً الحرية للطرفين بتحديد عدد المحكمين، وبذلك يجوز أن يكون عدد المحكمين اثنين، وهذا النص بالمفهوم المتأرجح جاء مخالف لمعظم التشريعات والاتفاقيات الدولية بأن يكون هناك شرط مهم يجب مراعاته بشأن تشكيل هيئة التحكيم وهو اتباع الأسلوب الوتري، بحيث يتناول عملية التحكيم إما محكم واحد فرد أو محكمون بعدد وتري (فردي)، وهو ما نص عليه المنظم السعودي مثلاً في المادة الثالثة عشرة حيث نصت (تشكل هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر، على أن يكون العدد فردياً وإلا كان التحكيم باطلاً. (

المطلب الثاني: إجراءات التحكيم

السير في إجراءات التحكيم يعني بدء الإجراءات الخاصة بعملية التحكيم منذ طلب التحكيم لحين إصدار

القرار، وهذا يعني أيضاً قيام المحكمين بالممارسة الفعلية للمهمة التي تم اختيارهم لإنجازها، وهذا يقتضي دعوة الخصوم لإبداء ادعاءاتهم ودفوعهم وتقديم مستنداتهم في النزاع وأن موضوع النزاع يجب أن يكون من المواضيع التي يمكن حسمها بالتحكيم. [8]

فقد اعطى القانون النموذجي في المادة 19 للطرفين الحرية في الاتفاق على السير في الإجراءات التحكيمية وبتطبيق منهج المدرسة التقليدية في تفسير النصوص القانونية يتضح أن القانون وضع طريقتين لتحديد الإجراءات واجبة التطبيق:

أولاً: حالة وجود اتفاق على اختيار الاجراءات التي تتبعها الهيئة التحكيمية.

 حيث يخول النص لأطراف التحكيم اختيار الإجراءات المناسبة لهم والتي قد تكون قواعد معمول بها بمنظمة، أو مركز تحكيم سواء بالمملكة أو خارجها.

ثانياً: حالة عدم وجود اتفاق على اختيار الإجراءات المتبعة بشأن نزاعهما.

 وهنا تكون هيئة التحكيم منوطا بها اختيار الاجراءات والقواعد التي تراها مناسبة.

ولكن من الملاحظ على سير الإجراءات التحكيمية ضمن نطاق القانوني النموذجي عدت ملاحظات تشوبها العيوب الجوهرية في السير في العملية التحكيمية وأهمها ان القانون النموذجي لم يتطرق الى المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم، وهذه المسائل هامة يجب أخذها بنظر الاعتبار وهي أن يكون موضوع النزاع من الأمور التي يجوز فيها التحكيم وهذا ما نصت عليه القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، ونص عليها نظام التحكيم السعودي في المادة الثانية (مع عدم الإخلال بإحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها، تسري أحكام هذا النظام على كل تحكيم أيا كانت طبيعة العلاقة النظامية التي يدور حولها النزاع إذا جرى هذا التحكيم في المملكة أو كان تحكيما تجاريا دوليا يجري في الخارج واتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام هذا النظام ولا تسري أحكام هذا النظام على المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح).

ولكي نكون أمام تحكيم صحيح ينبغي أن يتم في مسائل يجوز فيه الصلح وهذا هو حكم أغلب القوانين العربية وكثير من الاتفاقيات الدولية

ايضاً كان هنالك فراغ تشريعي في سير الإجراءات التحكيمية في القانون النموذجي وهي غياب النص على المدة الزمنية للتحكيم، بالرغم من ان قوانين التحكيم في معظم الدول قد حددت مدة يجب على المحكم ان يصدر قرار التحكيم خلالها والا يكون اتفاق التحكيم باطلاً، فيجب على المحكم ان يصدر قرار التحكيم خلال مدة محددة بتاريخ بدء اجراءات التحكيم. فقد نص نظام التحكيم السعودي في المادة 40/1 على انه (على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي اتفق عليه طرفا التحكيم، فإن لم يكن هناك اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال اثني عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم (.

ونشير الى ان هذه المدة المحددة تجيز اغلب القوانين على تمديدها، والتمديد هنا لا يعتبر بمثابة عقد تحكيم جديد لأنه لا يمنح اختصاص جديد للمحكم بل هو مجرد تمديد لمدة الاختصاص الأولى، ويكون اما تمديد اتفاقياً وهو تمديد برضا واتفاق الأطراف في الدعوى التحكيمية واما ان يكون تمديد قضائياً وهو الذي يتم عن طريق المحكمة المختصة التي يرفع لها طلب التمديد، وهو ما نص عليه القضاء الفرنسي في حكم صادر بتاريخ 29/11/1989 بأن لكل محكم الحق في طلب تمديد مدة التحكيم لضمان حسن سير العملية ما دام كل واحد مسؤول عن انتهاء مدة التحكيم.[9]

وبما يخص التدابير المؤقتة في العملية التحكيمية فقد اعطى القانون النموذجي السلطة للهيئة التحكيمية ان تصدر تدابير مؤقتة وقد حددها في المادة 17/2 ولكن يثير هذا التحديد التساؤل هل هي على سبيل الحصر؟ وكذلك اعطى الهيئة التحكيمية السلطة التقديرية لقبول طلب استصدارها، وباستقراء نصوص التدابير المؤقتة في القانون النموذجي نجد أنه أيضاً تتناقض في أحكامها بين المواد ، كالتناقض الواضح بين المادة 17/ح/1 التي تنص على الاعتراف بالتدابير المؤقتة الصادر عن هيئة التحكيم كتدبير ملزم ويتعين انفاذه بناء على طلب يقدم الى المحكمة المختصة، وبين المادة 17/ج/5 التي نصت على انه يكون الامر الاولي ملزما للطرفين ولكنه لا يكون خاضعاً للإنفاذ من جانب المحكمة ولا يشكل ذلك الامر الاولي قراراً تحكيمياً، وبين  المادة 17/ج/1 التي نصت على انه يتعين على هيئة التحكيم فور اتخاذ قرارها بشأن طلب استصدار الأمر الأولي وبالأمر الاولي ان وجد وبجميع الاتصالات الأخرى بما في ذلك تبين مضمون أي اتصال شفوي بين أي طرف وهيئة التحكيم بهذا الشأن.

نجد من هذا التناقض وغيره على اللجنة التشريعية مراجعة النصوص الحاكمة لهذه المسائل مع الاخذ بتوضيح الغموض لكيلا يثير اللبس والتخبط في التطبيق.

المطلب الثالث: حكم التحكيم

وهكذا فإن حكم التحكيم هو المرحلة الأخيرة للعملية التحكيمية ويصدر عادة مكتوباً ومسبباً وموقعاً وشاملاً لوقائع النزاع ومحدداً أطرافه ومحكميه ومتضمناً منطوقه وزمان ومكان إصداره. حرصاً على صحة الحكم التحكيمي الصادر من حيث الشكل وضماناً لعدم ابطاله وتأميناً للاعتراف به وتنفيذه. مثل نظام التحكيم السعودي في المادة 42/1 حيث نصت على انه (يصدر حكم التحكيم كتابة ويكون مسبباً، ويوقعه المحكمون، وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم واحد يُكتفى بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن يثبت في محضر القضية أسباب عدم توقيع الأقلية (.

الا ان القانون النموذجي بعد ان قرر في المادة 31 قاعدة وجوب تسبيب الأحكام التحكيمية والتي تعني -ذكر الحيثيات او الاسانيد الواقعية والحجج القانونية التي أسست عليها هيئة التحكيم قضاءها حول النزاع المعروض عليها- أورد استثناء على هذه القاعدة وهو اتفاق الأطراف على عدم تسبيب الحكم [10].

فقد جاء هذا الاستثناء متأثراً بالقانون الإنجليزي 1950 وقانون التحكيم الفيدرالي 1925، فإن الحكم التحكيمي الصادر في إنجلترا تطبيقاً لقانون التحكيم الإنجليزي يكون حكماً موجزاً مختصراً يشتمل فقط على منطوقه دون إبداء أسبابه، وذلك للابتعاد بالحكم عن مجال الرقابة القضائية الإنجليزية الشاملة عليه سواء من حيث الوقائع او القانون والتي كانت تمارس على الحكم منطوقاً واسباباً.[11]

ولم يتطرق القانون النموذجي على البيانات الخاصة التي يشتملها الحكم، بحيث أنه جعلها متأرجحة في التفسير من الزيادة أو النقص على عكس التشريعات والقوانين الأخرى التي حددت تلك البيانات مثل نظام التحكيم السعودي في المادة 42/2 التي نصت عليها بانه ( يجب أن يشتمل حكم التحكيم على تاريخ النطق به ومكان إصداره، وأسماء الخصوم، وعناوينهم، وأسماء المحكمين، وعناوينهم، وجنسياتهم، وصفاتهم، وملخص اتفاق التحكيم، وملخص لأقوال وطلبات طرفي التحكيم، ومرافعتهم، ومستنداتهم، وملخص تقرير الخبرة - إن وجد - ومنطوق الحكم، وتحديد أتعاب المحكمين، ونفقات التحكيم، وكيفية توزيعها بين الطرفين، دون إخلال بما قضت به المادة )الرابعة والعشرون( من هذا النظام.)

وايضاً لم يتطرق القانون النموذجي الى مسائلة إيداع الحكم التحكيمي ونقصد بإيداع حكم التحكيم إيداعه إما في مركز التحكيم المؤسسي او الحر الذي انعقد التحكيم تحت لوائه او بموجب لائحته، أو في إحدى المحاكم القضائية في الدولة التي صدر الحكم على إقليمها. وهذا الإيداع منصوص عليه في نظام التحكيم السعودي حيث أشارت المادة الرابعة والأربعين على انه (تودع هيئة التحكيم أصل الحكم، أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها لدى المحكمة المختصة وذلك خلال المدة المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة) الثالثة والأربعين (من هذا النظام، مع ترجمة باللغة العربية مصدق عليها من جهة معتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية.

 

الخاتمة

ان توجه المشرع البحريني في تعديل قانون التحكيم البحريني رقم 9 لسنة 1994 وإصداره لقانون تحكيم يرتبط كلياً بتطبيق نصوص قانون الأونسيترال  النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 المعدل 2006 هو ارتباط فيه من الإيجابيات لجذب الاستثمارات، حين أن القانون الجديد يهدف الى تطوير التنظيم القانوني المحلي للتحكيم، وخاصة إذا ما أخذ بعين الاعتبار مرور مدة زمنية طويلة على صدور قانون المرافعات المدنية والتجارية، مما جعل التحكيم تعتريه بعض جوانب القصور والتي أثرت بدورها سلباً على جذب الاستثمارات الأجنبية، فكان لزاماً على المملكة أن تضع الضمانات التأمينية والقانونية الكفيلة بتوفير الحماية للأطراف الأجنبية ومن ثم جذبها للاستثمار داخل المملكة، وذلك بتطبيق قانون الأونسيترال.

ولكن المشرع البحريني بهذه الطريقة للجذب الاقتصادي لم ينقح ولم يصيغ تلك النصوص، كما ان قانون الأونسيترال يحتوي على الكثير من الأمور الاختيارية، وهذا الأمر أورده القانون لعلة كان ينبغي على المشرع البحريني مراعاتها، وهي ان تختار كل دولة النص الذي يناسبها ثم تدمجه في قانونها الداخلي الذي يعد على نحو يتفق مع اهداف ومبادئ الأونسيترال. وهو ما قامت به اغلب الدول من تنقيح وصياغة عند دمج نصوصه في تشريعاتها الداخلية.

النتائج

بالبحث في نصوص الأونسيترال وجدنا بعض النتائج المتعارضة اما مع التنظيم القانوني الداخلي البحريني

او القواعد القانونية التي اخذت بها اغلب الدول في العالم ونوجز أهم تلك العيوب:

  1. الاخذ بمبدأ إمكانية الاتفاق الشفوي وجعل تخلف الكتابة ليس شرط لبطلان اتفاق التحكيم
  2. اعطى للمحكمة الحق في التحقق من صحة اتفاق التحكيم وهو يخالف مبدأ الاختصاص بالاختصاص
  3. لم يتطرق الى المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم وبذلك تكون كافة النزاعات تدخل في صلاحية التحكيم
  4. لم يقرر المدة الزمنية للسير في إجراءات التحكيم وذلك يجعل هنالك تخطب في اهم ميزة للتحكيم وهي السرعة في اجراءاته.
  5. التعارض في احكام نصوص التدابير المؤقتة والاولية
  6. لم يتطرق الى البيانات التي تشكل حكم التحكيم ويجوز عدم تسببيه ولم ينص على ايداعه.

التوصيات

إن الآلية التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عند إصدارها قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 وتعديلاته. تغاير المفاهيم التنظيمية القانونية للمملكة وعلى المشرع البحريني مراجعة الأخذ بنصوص الأونسيترال بعد تنقيحه وإعادة صياغته ليتناسب مع روح القانون البحريني وتطلعاته.

 


[1] عاطف الفقي، التحكيم التجاري الدولي، الجزء الاول،دار النهضة العربية،القاهرة ،2013 ،ص71/ محسن شفيق ،التحكيم التجاري الدولي،جامعة القاهرة،كلية الحقوق،1974،ص88/ سامية راشد ، التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة، الكتاب الأول ، اتفاق التحكيم، القاهرة، 1984، ص75. / فوزي محمد سامي ، التحكيم التجاري الدولي، دار الثقافة، عمان، 2012،ص 109.

[2] نظام التحكيم التجاري السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) بتاريخ 24/5/1433

[3] قانون المرافعات الفرنسي رقم 1123-75 الصادر 5/12/1975

[4] عاطف الفقي، مرجع سابق، ص157

[5] وهذا ما جاءت به قرار محكمة التميز الأردنية رقم 343 هيئة عامة أولى سنة1977 بتاريخ 21/1/1978 حيث ذهبت بالقول (يعتبر شرط التحكيم لا غيا إذا رفع أحد الطرفين الدعوى ولم يعترض خصمه في الجلسة الأولى من المرافعة).

[6] سامية راشد، مرجع سابق، ص88.

[7] عبد الباسط الضراسي، النظام القانوني لاتفاق التحكيم، الطبعة الأولى، المكتبة الجامعية، الإسكندرية، 2005، ص91.

[8] محمد علي بني مقداد، قانون التحكيم التجاري الدولي، دار اليازوري،عمان،2011،ص216.

[9] محمد المختار الراشدي، إجراءات مسطرة التحكيم، مجلة المحاكم المغربية، عدد117،نونبر-دجنبر2008،ص88

[10] الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي 1961 المادة 2 اخذت بنفس الأسلوب في اشتراط التسبيب.

[11] عاطف الفقي، مرجع سابق، ص189.

إجراءات التنفيذ القضائي المباشر

مقدمة ان التنفيذ المباشر وفقاً للقواعد العامة يكون مباشراً بمواجهة كافة أنواع الالتزامات القانونية والتي تتضمن علاقة مديونية بين دائن ومدين، وعليه يمكننا القول [...]
إقرأ المزيد

دعوى بطلان حكم التحكيم

مقدمة أن معظم النظم القانونية تحاول ان تمارس قدرا معينا من الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية وتختلف هذه الرقابة على القرارات التحكيمية التي تصدر داخل [...]
إقرأ المزيد

تشكيل هيئة التحكيم

مقدمة إن هناك اتفاق للتحكيم وأن الصفة الاتفاقية سوف يكون لها مردود على ما يأتي بعد إبرام اتفاق التحكيم، ولعل أهم نقطة لاحظناها أن هذا الاتفاق يرتب التزام على [...]
إقرأ المزيد