الموقع الرسمي للمستشار الدكتور




تشكيل هيئة التحكيم

مقدمة

إن هناك اتفاق للتحكيم وأن الصفة الاتفاقية سوف يكون لها مردود على ما يأتي بعد إبرام اتفاق التحكيم، ولعل أهم نقطة لاحظناها أن هذا الاتفاق يرتب التزام على أطرافه بحسم النزاع من خلال التحكيم، وطبيعة الالتزام لهذا العقد هو الالتزام بوسيلة وبنتيجة، فعلى كل من الطرفين أن يبذل جهده من أجل حسم النزاع عن طريق آلية التحكيم. فبعد الاتفاق ستبدأ ممارسات تحكيمية بجهود أطراف عقد التحكيم، ولكن هذه الممارسة بتخويل من الاطراف وبتنفيذ مع ما يسمى هيئة التحكيم وصولا لقرار، فستكون هناك هيئة تحكيم وإجراءات وقرار تحكيم ثم يأتي بعد ذلك تنفيذ قرار التحكيم.

وينبغي على الاطراف تشكيل هيئة التحكيم، فهو التزام في ذمتهم فيجب عليهما أن يبادرا إلى هذا التشكيل، أما يكون منصوص عليه في الشرط وهو غالبا يكون نص مقتضب بينما المشارطة هي حالة تفصيلية وكثير ما تتضمن المشارطة اسم (مكونات) هيئة التحكيم، وهذا ليس من الشروط اللازمة في القانون المعاصر، قديما كان الاتجاه أن الشرط يقع باطلا إذا لم يتضمن تفاصيل معينة. فإذا وجدت هده التفاصيل فلا بد أن توضع موضع التنفيذ، فإدا تم الاتفاق على تسمية هيئة التحكيم فلا بد أن يبقى سوى أن يتم تنفيذ هذه التسمية. لكن صار حاليا من النادر تهيئة تشكيل هيئة التحكيم مع شرط التحكيم حتى مع المشارطة فصار من الصعب أو المستحيل الاتفاق ابتداء على أشخاص قد يتلاءمون مع طبيعة النزاع الذي يثيره العقد التجاري أو قد لا يكونون حين نشوب النزاع على قيد الحياة.

وقد إشارة المادة (10) من قانون الأونسيترال في فقرتها الأولى الى حرية الأطراف في تحديد عدد المحكمين وهو وبذلك يجوز أن يكون عدد المحكمين اثنين، وهذا النص بالمفهوم المتأرجح جاء مخالف لمعظم التشريعات والاتفاقيات الدولية بأن يكون هناك شرط مهم يجب مراعاته بشأن تشكيل هيئة التحكيم وهو اتباع الأسلوب الوتري، بحيث يتناول عملية التحكيم إما محكم واحد فرد أو محكمون بعدد وتري (فردي)، فعاد في الفقرة الثانية وأشار الى العدد في حالة عدم الاتفاق يكون ثلاثة، مما يؤكد بان العدد وتري. لذا سنناقش الية التشكيل ضمن مطلبين على النحو التالي:

المطلب الأول: اختيار هيئة التحكيم بواسطة الأطراف

المطلب الثاني: اختيار هيئة التحكيم بواسطة الغير

 

 

 

 

المطلب الأول: اختيار هيئة التحكيم بواسطة الأطراف

 

 

لأطراف النزاع الحق في اختيار المحكم الذي تتوافر فيه المقتضيات التي تبعث في نفس أطراف النزاع الثقة والطمأنينة في نزاهته وحياده. وهو ما يسمى بالتحكيم الخاص أي دون اللجوء الى مؤسسة تحكيمية لاختيار المحكمين عن طريقها، والأصل أن يتم اختيار أطراف النزاع للمحكمين في اتفاق التحكيم ذاته، ولكن ليس هنالك ما يمنع من أن يتم الاختيار في اتفاق لاحق. ومن ثم فمن المتصور استكمال اتفاق التحكيم باتفاق لاحق يحدد فيه أعضاء هيئة التحكيم أو يبين كيفية اختيارهم أو وقت اختيارهم.[1]

ويتعين في هذه الحالة أن يكون الاتفاق اللاحق مكتوباً، وإلا كان غير موجود باعتبار أن الكتابة شرط صحة باعتبارها الشكل الذي يفرغ فيه اتفاق التحكيم وإلا كان باطلاً. وهي مطلوبة ليس فقط في شأن الاتفاق على التحكيم ولكن أيضاً في شأن الاتفاق على شروطه.

فعند نشوء النزاع ينبغي على كل من طرفي النزاع ومستشاريهما القانونيين الأخذ في الاعتبار بكلَّ العوامل ذات العلاقة بالخصومة بعد ظهورها وعند اتخاذ قرار باختيار محكَّم أو هيئة تحكيم لدراسة القضية وإصدار حكم فيها فليس هناك شيء أهم من اختيار المحكَّم المناسب أو هيئة التحكيم المناسبة.[2]

 إن هذا الاختيار ليس مهما فقط لطرفي النزاع في القضية بعينها بل إنه مهم أيضا:

1-لإظهار سمعة وصورة الإجراءات التحكيمية في أي بلد.

2-للمحكَّمين أنفسهم الذين يجب أن تبرز قدراتهم على القيام بالإجراءات التحكيمية على أفضل وجه، وأنهم مؤهلين لما انتدبوا له، وإلا انهدمت القناعات بهم إن كانوا غير مؤهلون.

لذا فإن اختيار المحكَّم أو هيئة التحكيم لنزاع لم تظهر معالمه بصورة واضحة حيث يعد من الأمور الصعبة في الغاية إن عملية اختيار المحكَّم دقيقة جدا.

 

 

 

عند اختيار المحكَّم نجد أن معظم الأنظمة والقوانين العالمية تعطي طرفي النزاع الحرية الكاملة في اختيار المحكَّمين ، حتى يتم حل النزاع بواسطة قضاة من اختيارهما ، وتنص المادة (11/2) من قانون الأونسيترال على انه ( للطرفين حرية الاتفاق على الاجراء الواجب اتباعه في تعيين المحكم أو المحكمين ...) فمن نص هذه المادة يتبين لنا أنه أعطى لطرفي النزاع الحرية المطلقة في اختيار وتعيين المحكَّم أو المحكَّمين، فليس هناك وصاية على الأطراف في اختيار محكَّميهم، إذ يتحمل كل طرف مسئولية اختياره، حيث يطمئن إلى الإجراءات بمساهمته في تشكيل هيئة التحكيم بتعيين محكَّم يثق في علمه وعدالته.

ولكن في بعض الأحيان قد لا يجد طرفا النزاع أي فرصة مؤثرة في اختيار محكَّميهما، سواء من حيث عدد المحكَّمين أو مؤهلاتهم، فقد يكون الطرفان قد نصا مسبقا في شرط التحكيم على عدد المحكَّمين، وهذا يكون خاصة عندما يستطيع الطرفان أن يخمنا نوع النزاع الذي قد يظهر بينهما أثناء تنفيذ العقد. ولكن الأهم من العدد هو مؤهلات المحكم، وقد تكون مقررة مسبقا ومكتوبة في شرط التحكيم قبل ظهور النزاع، فمثلا قد يكتب أن يكون المحكَّم محاميا لا تقل خبرته عن خمس سنوات، أو أن يكون تاجرا عمل في تجارة كذا لمدة لا تقل عن ثمان سنوات [3]، وهذا قد يسبب تأخيرا بين الطرفين لتقرير ما إذا كان المحكَّم بعينه يدخل في حدود المؤهلات أم لا عند ظهور النزاع ؟.

وقد يكتفي الاطراف في غالبة الحالات بتحديد المؤشرات العامة التي تمكن من تحديد شخص المحكم، وقد يؤثر الأطراف اختيار شخصية عامة كعميد إحدى الكليات أو رئيس إحدى الهيئات أو المنظمات حيث تتحقق الثقة فيمن يشتغل هذا المنصب تقديراً لخبرته أو مكانته أياً كان الشخص الذي يشتغله عند وقوع النزاع.[4]

ورغم أن مثل هذا الاختيار حول كيفية اختيار المحكم يعد صحيحاً ويغني عن اختياره فعلياً طالما من الممكن تعيينه، الا أن هذا الاتفاق لا يكفي بذاته لبدء إجراءات التحكيم، وإنما ينبغي تحديد شخص المحكم وتحديد إجراءات تعيينه والتحقق من قبوله للمهمة، ولا يعد مجرد اختيار نظام مؤسسي في ذاته اختياراً للمحكم ما لم يقبل الخصوم شخص المحكم المرشح.[5]

 

عموماً فالغالب في القضايا التحكيمية التي يكون تشكيل هيئتها اتفاقي بين الأطراف، يختار كل طرف محكمه ويترك الطرفان لمحكميهما اختيار المحكم المرجح، ويكون هذا الاتفاق صحيحاً باعتباره توكيلاً من كل طرف للمحكم الذي اختاره للاتفاق مع المحكم الاخر على اختيار المرجح. وان الية التشكيل الاتفاقي بين الأطراف على تشكيل هيئة تحكيم مكونة من ثلاث محكمين كما اشارت لها المادة (11/3/أ) تكون بتعين كل طرف محكماً ويقوم المحكمان المعينان على هذا النحو بتعيين المحكم الثالث. وهنا لا بد أن نشير الى نص المادة (11/3/ب) من قانون الأونسيترال التي تقرر ايضاً بجواز الاتفاق على المحكم الفرد باختيار الأطراف. وهو ما جاء متوافقاً مع نص المادة (15) من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم رقم 34 لسنة 1433ه. ووفقاً للفقرة الأولى من المادة (1493) من المرسوم الفرنسي للتحكيم الدولي 1981 فإن الأصل في تعيين المحكمين هو أن يختارهم الأطراف في اتفاق التحكيم، أو ان يحددوا في هذا الاتفاق طريقة تعيينهم سواء أكان ذلك مباشرة أم بالإحالة الى لائحة إحدى المؤسسات التحكيمية الدائمة. ووفقاً للمادة (10) والفقرة الرابعة من المادة (6) من قانون التحكيم الإنجليزي 1950، فإن الأصل في تعيين المحكمين هو نص اتفاق التحكيم على تعيينهم أو على طريقة تعيينهم.

وقد إشارة الاتفاقيات الدولية الى الاخذ بهذه الحرية للأطراف في اختيار وتشكيل هيئة التحكيم كما ورد في الفقرة الأولى من المادة (5) من الاتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ احكام المحكمين الدولية، يمكن رفض الاعتراف ورفض تنفيذ حكم التحكيم الدولي إذا لم يتطابق تشكيل محكمة التحكيم مع مقتضيات الواردة في اتفاق التحكيم. ووفقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية الاوربية للتحكيم التجاري الدولي 1961 تترك الحرية كاملة لاتفاق الأطراف لتعيين المحكمين أو تحديد طريقة تعيينهم.

ويمكن للطرفين الاتفاق على تخويل شخص معين باسمه أو بصفته اختيار المحكمين[6]، ومن الجائز الاتفاق على تخويل المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع سلطة تعيين المحكم أو المحكمين[7].

 عموما، أسلوب آلية الاختيار لتشكيل هيئة التحكيم من قبل الفرقاء ذاتهم ينطوي على عيب خطير وهو أن المحكم الذي يختاره الخصم يشعر بتعيينه وانتمائه الى الخصم الذي اختاره فيتعذر عليه ان يحافظ على

 

 

 الحيدة المطلوبة فيمن يعهد اليه القضاء بين الناس، والنتيجة الحتمية لهذا الشعور النفسي يجعل هدا المحكم المختار بمثابة محامي عن الخصم، فيتبنى وجهات نظره ويدافع عنها ازاء المحكم الآخر المختار من الخصم الآخر ويبات المحكم الثالث هو الذي ينفرد بعملية التحكيم افتراضا وليس عملا، وهذا عيب جوهري.

 

وفي هذا المقام يجب الإشارة الى القانون الإنجليزي الذي نص في حالة اذا لم يتم تعيين المحكم ابتداء وظهرت صعوبة في تحديد المحكم، ستكون هناك جهة يلجأ إليها لمعالجة هذا الاخفاق، ولكن بأساليب مختلفة، حيث يجيز للخصم الراغب ببدء الاجراءات أن يعلن غريمه الممتنع عن تحديد المحكم بلزوم ترك السلبية، فإذا ظل مصر على موقفه حتى انقضاء ميعاد معين يجيز القانون أن يقوم هذا الخصم بتعيين محكم بدلا عن غريمه أو الاكتفاء بالمحكم الذي هو حدده فيصبح امام محكم فرد، وهذا الحل فعال ولكن مشروعيته تثير الإشكال لأن التحكيم قائم على الاتفاق فامتناع أحد الطرفين هل يسمح للإرادة الأخرى بالتعيين عنه ربما من منظور القانون الانجليزي الضيق أن الامتناع تفويض ، ولكن من زاوية أخرى فإن هذا الأمر مشكوك فيه .

 

 

المطلب الثاني: اختيار هيئة التحكيم بواسطة الغير

 

ويقصد بالغير هنا هو أي شخص أو جهة من غير أطراف الخصومة سواء أكان شخصاً طبيعياً يعهد له الخصوم بذلك كالمحكمين المعينين من قبل الخصوم او غيرهم، أم معنوياً كالمحاكم ذات الاختصاص أو هيئات ومراكز وغرف التحكيم الوطنية والخاصة.

 

فقد جرى العرف الدولي على تحديد جهة معينة للمساعدة في تعيين المحكم الفرد أو المحكم المرجح في حالة اخفاق الأطراف في الاتفاق عليه، وغالباً ما تكون هذه الجهة هي إدارة التحكيم النظامي التي اتفق على توليها الإشراف على سير التحكيم، لكن ليس هنالك ما يمنع من اختيار جهة أخرى أو شخصية اعتبارية في جنسية أخرى غير جنسية الأطراف.[8]

 

وعليه يجوز ان يسلم طرفا النزاع حقهما في الاختيار إلى جهة أخرى ، عندما يتفقان على أن يتم اختيار هيئة التحكيم من قبل جهة مختصة تقوم باختيار المحكَّمين ، أو ينصا في شرط التحكيم أن يتم التحكيم عن طريق إحدى المؤسسات التي تفرض وصاية على اختيار الأطراف ، حيث تنص مثلا قواعد غرفة التجارة الدولية بباريس ، على أن لمحكمة التحكيم أن تثبت تسمية المحكَّم الذي يختاره الخصوم أو لا تثبت تسميته وفقا لتقديرها ، كما تنص قواعد محكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي ، على أنه أيا كانت التسميات من الأطراف أو من سلطات التعيين ، فإن محكمة التحكيم هي التي تعين المحكَّمين وفقا لتقديراتها .

 

 إن هذه الجهات التي تقرر المحكَّمين دون استشارة طرفي النزاع أو الرجوع لهما قد تعرف عن محكمَّين محددين معروفين ومسجلين لديها أكثر مما يعرفه طرفا النزاع، ولكن بالتأكيد هي لا تعرف عن النزاع وتفاصيله وأسباب نشوئه أكثر مما يعرفه طرفا النزاع ومستشاروهما، وحيث قد بينا في أول المطلب السابق، أنه في الغالب ليس من الممكن تحديد نوعية المحكَّم المطلوب حتى يظهر موضوع النزاع ويعرف فإنه يفضل أن يحرص طرفا النزاع على أن لا يحددا عدد المحكَّمين ولا مؤهلاتهم مسبقا.

 

 وإن قررا إحالة النزاع إلى تحكيم مؤسسي أن يختارا جهة لا تفرض عليهما وصاية في اختيار محكَّميهما.

إذا وثيقة التحكيم التي يتفق عليها الطرفان لها أهمية كبرى في إجراءات التحكيم وقد تلعب دورا في اختيار المحكَّمين.

كما هو معلوم أن طرق تشكيل هيئة التحكيم بواسطة الغير تتنوع إلى عدة طرق حيث توجد طريقتين متعارف عليهما في تعيين المحكمين وتشكيل هيئة التحكيم:

 

الطريقة الأولى: في تعيين هيئة التحكيم تكون بواسطة تدخل الغير الذي يسند إليه أطراف اتفاق التحكيم مهمة تشكيل هيئة التحكيم، بيد أنه تتنوع وسائل تدخل الغير في تشكيل هيئة التحكيم، فإما أن يكون هذا الغير مؤسسة أو مركز تحكيم كغرفة التجارة الدولية بباريس، وقد يكون الغير سلطة تعيين معدة سلفاً، حيث قد يسند مهمة تشكيل هيئة التحكيم بشخص أو مركز معين أو هيئة معينة لها دراية بنوع النزاع المثُار كإسناد تلك المهمة لرئيس مركز التحكيم التجاري السعودي أو نحو ذلك.

 

  أي أن الدور التي تلعبه المراكز التحكيمية او الشخصية الاعتبارية يأتي كدور مكمل أو احتياطي لسد النقص الذي يتركه الأطراف، ولكن هذا الدور قد يتعدى المساعدة أو سند النقص، الى حق أصيل لهذا المركز أو ذاك في تعيين المحكمين ابتداء، وبالتالي فإن الدور الذي تقوم به المراكز في التحكيم المؤسسي، تختلف من لائحة داخلية لكل مركز اما ان يساعد الأطراف في اختيار المحكمين أو يفوض باختيار المحكمين أو ان يعينهم دون تدخل من الأطراف. ولا شك في أن هذه الطريقة من طرق اختيار المحكمين تؤدي الى اختيار الاكفاء والمتخصصين في نظر النزاع التحكيمي. كما تفوت على الطرف المقصر ان يحدث الشلل في اتفاق التحكيم عند تقاعسه عن اختيار محكم.[9]

 

 فإذا لم يتفق الأطراف على تعيين هيئة تحكيم وفقاً للاتفاق ولم يكن الأطراف اتفقوا على إسناد المهمة إلى الغير كما هو الحال في الطريقة الاولى فإن هناك طريقة ثانية تمكن على أسسها تشكيل هيئة التحكيم.

 

الطريقة الثانية: تلك الطريقة التي تتعلق بإسناد مهمة تشكيل هيئة التحكيم بواسطة قضاء الدولة المختص وذلك بناءاً على طلب مقدم من أحد الأطراف، بيد أن يتنوع دور القضاء في تدخله لتشكيل هيئة التحكيم

وذلك على حسب ما انتهي إليه الاتفاق على نمط تشكيل هيئة التحكيم وذلك وفقاً لقواعد الأونسيترال بالمادة (11) وذلك على النحو التالي:

 

أ-إذا اتفق الأطراف على نمط تشكيل هيئة التحكيم في صورة محكم فرد وفي ذات الوقت لم يتفقوا فيما بينهم على هذا المحكم الوحيد، ففي هذه الحالة يُستلزم تدخل القضاء لتعيين ذاك المحكم.

 

ب-إذا اتفق الأطراف على نمط تشكيل محكمة التحكيم في صورة عدد من المحكمين كثلاثة أو خمسة أو نحو ذلك، بحيث يقوم كل طرف بتعيين محكميه، لكن أحد الأطراف رفض تعيين محكميه خلال 30 يوم من تعيين مخكم الطرف الأخر، ففي هذه الحالة يستلزم تدخُل القضاء لاستكمال تشكيل هيئة التحكيم نتيجة رفض أو إهمال أحد الأطراف في تعيين محكمه.

 

ﺟ-يتدخل القضاء في حالة إذا اتفق الأطراف على نمط تشكيل هيئة التحكيم، تتم تعيين كل طرف لمحكميه، لكن لم يتم الاتفاق بين هيئة التحكيم ذاتها على المحكم المرجح، خلال 30 يوماً ففي هذه الحالة يسند أمر تعيين المحكم المرجح للقضاء.

 

د-قد يتدخل القضاء على رغم من تعيين وتشكيل هيئة التحكيم، لكن كانت الإجراءات المتخذة وفقاً لقاعدة الاختيار كانت مخالفة لما اتفق عليه الأطراف، ولما تقتضيه قواعد الاختيار في مؤسسة التحكيم المسند إليها أمر التعيين، ففي هذه الحالة يكون تدخل القضاء ضروري لعدم مراعاة القواعد الإجرائية في الاختيار والتي تقتضيها طبيعة الاتفاق أو قواعد مراكز أو مؤسسة التحكيم.

 

ﻫ -قد يتدخل القضاء وذلك في حالة وجود عذر لدى أحد المحكمين يمنعه من أداء مهمته فإذا لم يتفق الأطراف على عزل هذا المحكم، جاز لأي منهم أن يطلب من القضاء عزل ذلك المحكم.

 

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن التشريعات الوطنية المنظمة للتحكيم قد أجازت تدخُل قضاء الدولة المختص في تشكيل هيئة التحكيم أو المساندة في تشكيلها وذلك على حسب الأحوال، سواء كانت التشريعات العربية، أو الأجنبية.

 

فمن ذلك قانون التحكيم الإنجليزي الصادر 1950 والذي حرص على إسناد أمر تشكيل هيئة التحكيم إلى القضاء في حالة وجود عراقيل تحيل دون تشكيل هيئة التحكيم، حيث نصت المادة (3) وعنوانها "إخفاق إجراءات التعيين نصت على أن " لكل طرف في اتفاق التحكيم أن يطلب من المحكمة ممارسة السلطات المقررة لها في الفقرة الثالثة وهي:

 

  • أن تصدر توجيهات تتعلق بالتعيين.
  • أن تأمر بتشكيل هيئة التحكيم طبقاً لما وقع فعلاً من تعيينات أو أحدها.
  •  أن تقوم المحكمة ذاتها بتعيين هيئة التحكيم.

 

 ثم نصت (الفقرة 4) بأن أي تعيين تقرره المحكمة طبقاً لهذه المادة سيكون له ذات الأثر كما لو كان قد تم اتفاق الأطراف. ثم نصت الفقرة (5) على جواز إمكانية استئناف حكم المحكمة الصادر بالتعيين.

 

كذلك فإن القانون الفرنسي نص في مادته (1493/2) على أنه ((بالنسبة للتحكيمات التي يتم إجراؤها في فرنسا أو التي يتفق الأطراف بصددها على تطبيق قانون الإجراءات الفرنسي في حالة مصادفة محكمة التحكيم صعوبات ومعوقات، فإنه يجوز للطرف ذي المصلحة، ما لم يجد اتفاق مخالف، اللجوء إلى رئيس محكمة باريس الكلية وذلك وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة (1475). "بناءاً على ذلك يتضح أن المرسوم الفرنسي للتحكيم الدولي عام 1981 أسند هذا الاختصاص المتعلق بتشكيل محكمة التحكيم إلى محكمة استئناف باريس دون غيرها من المحاكم الاستئنافية الأخرى، وذلك متى كان هذا التحكيم دولياً، يجري في فرنسا سواء كان تحكيماً حراً أو مؤسسياً وأخضعه الأطراف لقانون المرافعات الفرنسي، فإنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على تعيين هيئة التحكيم وذلك بعد نشوب النزاع

 

أو كانت هناك صعوبات ومعوقات تعرقل سير تشكيل هيئة التحكيم، فإن لكل طرف ذي مصلحة أن يلجأ إلى رئيس محكمة استئناف باريس طالباً منه تشكيل محكمة التحكيم، هذا ما لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف على نمط معين لتشكيل محكمة التحكيم. وهذا أيضاً ما جاء مطابقاً مع نص المادة (1459) من قانون التحكيم الفرنسي الجديد لعام 2011.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين فإذا لم يتفقا وأخفقا في هذا الاتفاق فكان هنا تدخل من المحكمة المختصة بطلب من أحد الخصوم لتكملت هذا الاتفاق وتعيين محكم ويجب ان يرفق بطلبه صورة من طلب التحكيم وصورة من اتفاق التحكيم.

هذا الاختصاص الاحتياطي للمحكمة يشير الى سلطة القضاء على التحكيم بمعنى أن التحكيم مهما ارادوا أن يجعلوه سلطة مستقلة فيبقى خاضع بشكل وآخر إلى سلطة القضاء. فاذا تم التشكيل باي طريقة كانت كان الطريق موصول الى انهاء الإجراءات ولكن عند الاخفاق بعد التشكيل والعلاج في الإخفاق في تعيين المحكمين تعالجه النصوص الحاكمة للتشكيل من خلال قنوات علاجية حاكمة لهذا الإخفاق.

 

النتائج

 

هنالك عيب آخر يظهر وهو قد لا يبادر أحد الخصوم الى تعيين المحكم فيعيش أزمة تنفيذ اتفاق التحكيم، سنجد ان الحل المتبع حاليا هو اللجوء الى المحكمة ولكن بالنظر العلمي أنه غير صحيح لأنه خروج عن صيغة التحكيم أنه اتفاق، فإذا لجأنا الى المحكمة فإنه يعتبر خروج عن اتفاق التحكيم، فقد ابتغى الطرفين التحكيم اتفاقا فكيف نجبره بالقضاء على تعيين المحكم، ولكن الصحيح هو أن نلجأ للمحكمة لعرض عليه غرامات تهديدية عن كل تأخير في تعيين المحكم وأيضا بعد ذلك نرجع عليه بالتعويض من جراء الضرر الذي أصاب الطرف الآخر.

التوصيات

نوصي بمراجعة للنصوص واضافة احكام خاصة بإلزام الخصم الممتنع عن تعيين الذي يصيب الشلل التحكيمي وإيجاد طريقة لزامه بالغرامات التهديدية.

 

والله الموافق

 


[1] مصطفى الجمال، عكاشة عبد العال، التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية، الطبعة الأولى، 1988، القاهرة، ص 585

[2] حمزة احمد حداد، التحكيم في القوانين العربية، المعهد العربي للتحكيم والتسويات البديلة، عمان، الجزء الأول ـ ط2،2008م، ص187 وما بعدها.

[3] مصلح الطراونة، محاضرة في التحكيم التجاري،2009م، محاضرات ألقيت على طلبة الماجستير في جامعة مؤتة الفصل الثاني 2009م.

[4] إبراهيم العناني، اللجوء الى التحكيم الدولي، رسالة عين شمس، سنة 1970، ص 99.

[5] سامية راشد، التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة، الكتاب الأول، اتفاق التحكيم، دار النهضة العربية، 1984، ص78

[6] فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، دار النهضة، 1993 ،ص897

[7] احمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والاجباري ، الطبعة الخامسة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1988، ص45

[8] احمد شرف الدين، مضمون بنود التحكيم وصياغتها في العقود الدولية، مجلة إدارة الفتوى والتشريع، الكويت، العدد الخامس، 1985ص28

[9] عاطف الفقي، التحكيم التجاري الدولي، الجزء الأول، دار النهضة العربية، 2013، ص215

شروط قبول الدعوى

مقدمة   أن الدولة تضمن للشخص حماية حقه عن طريق القضاء وتخوله سلطة الحصول على هذه الحماية، فهي تنظم سلطة القضاء لمنح الحماية القانونية وتخول الشخص صاحب الحق أو [...]
إقرأ المزيد

التحالف في عقود المقاولات الإنشائية (الكونسورتيوم)

مقدمة إن التطورات التي شهدتها المجتمعات المعاصرة، اوجدت اشكال جديدة للتحالفات لاسيما في مجال المقاولات الانشائية التي تعد انعكاساً واضحاً للتطورات الاقتصادية [...]
إقرأ المزيد

إجراءات التنفيذ القضائي المباشر

مقدمة ان التنفيذ المباشر وفقاً للقواعد العامة يكون مباشراً بمواجهة كافة أنواع الالتزامات القانونية والتي تتضمن علاقة مديونية بين دائن ومدين، وعليه يمكننا القول [...]
إقرأ المزيد