الموقع الرسمي للمستشار الدكتور




التحالف في عقود المقاولات الإنشائية (الكونسورتيوم)

مقدمة

إن التطورات التي شهدتها المجتمعات المعاصرة، اوجدت اشكال جديدة للتحالفات لاسيما في مجال المقاولات الانشائية التي تعد انعكاساً واضحاً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية في مجال الانشاءات، وخصوصاً في المشاريع الضخمة التي تعتمد على وجود التمييز الانشائي والتكنولوجي في تأسيسها والتي يتولى العمل بها مجموعة من شركات المقاولات الدولية، حيث تسعى هذه التحالفات الى إيجاد بيئة خصبة لأعمالها في تنفيذ المشاريع الانشائية من خلال توفير هياكل تعاقدية تشترك بها في خضم التنافس الكبير بين الشركات الدولية، اطلق عليها عقد الكونسورتيوم الذي يضمن لهذه الشركات تحقيق الاستراتيجية الاقتصادية في الانتشار والتنافس الدولي، حيث يعتبر الأساس القانوني لأي عقد الركيزة الأساسية لضمان نجاحه وتحقيق أهدافه.

وبموجب عقد الكونسورتيوم يتم تقسيم الاعمال بين الشركات المتحالفة كلاً حسب تخصصها ضمن المشروع المشترك للوصول الى أفضل المعايير في هذا العمل وتقليل للمخاطر التي تنشأ في تنفيذه، لذا يعد هذا التعاون بين الشركات في المجال الانشائي كوسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية التي فرضت نفسها على ساحة التطور الكبير في اعمال المقاولات الانشائية وتحقق المصلحة بين أطرافها.

وإزاء انتشار عقد الكونسورتيوم وتنوع اعمال المقاولة التي ترد عليه، نجد بإن هنالك قصور في التشريعات المنظمة لهذا العقد وقلة البحوث القانونية فيه، حيث كان الأصل في عقود المقاولات وجود رب عمل واحد ومقاول واحد غير ان التطور الكبير في مجال المقاولات الانشائية جعل من هذه القاعدة استثناء، فأصبح اليوم هنالك تعدد بين أطراف عقد المقاولات ومن هذه العقود عقد الكونسورتيوم، فإن الأمر يقتضي منا البحث في التنظيم القانوني لهذا العقد وكيفية معالجة الإشكاليات القانونية التي تحيط به، وتأسيساً على ذلك فإن خطة البحث لدراسة التحالفات في عقود المقاولات الانشائية الكونسورتيوم ستكون على النحو التالي:

المبحث الأول: ماهية تحالف الكونسورتيوم

المطلب الأول: مفهوم تحالف الكونسورتيوم

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لتحالف الكونسورتيوم

المبحث الثاني: التنظيم القانوني لتحالف الكونسورتيوم

المطلب الأول: الأحكام القانونية في تحالف الكونسورتيوم

المطلب الثاني: انقضاء تحالف الكونسورتيوم

خاتمة البحث وتتضمن النتائج والتوصيات

 

 

مشكلة البحث:

إن الغرض من هذا البحث وضع الأسس للتنظيم القانوني الذي تتمتع به الأطراف المتحالفة في عقد الكونسورتيوم.

 

أهمية البحث:

تكمن أهمية هذا البحث في الكشف عن الدور الرئيس الذي يلعبه عقد الكونسورتيوم في التنمية الاقتصادية سواء على المستوى الداخلي او الدولي، وكيفية تنظيم هذا العقد المستحدث وربطه في القواعد القانونية العامة لإيجاد واستنباط الاحكام التعاقدية الخاصة به.

المبحث الأول

ماهية تحالف الكونسورتيوم

يعد تحالف الكونسورتيوم انعكاساً للتطور الاقتصادي والاجتماعي والتقني في المقاولات الانشائية، والتي أبرزت اتجاهاً عالمياً لتوحيد وترابط وتوسيع المصالح للشركات الضخمة خارج حدود بلدانها، بهدف تنظيم أعمال الانشاءات الدولية والمحلية والتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها تلك الشركات اثناء تنفيذ المقاولات الانشائية عبر الحدود. وذلك من خلال توفير هياكل تعاقدية مشتركة مسبقاً، تحول دون التعرض الى عقبات تعترض تنفيذ تلك المشاريع من خلال إيجاد إعداد وتنظيم تلك الهيكلة.

وعليه تم تقسيم هذا المبحث الى مطلبين الأول سنبحث في مفهوم تحالف الكونسورتيوم وفي المطلب الثاني سنتناول الطبيعة القانونية لتحالف الكونسورتيوم.

 

المطلب الأول

مفهوم تحالف الكونسورتيوم

 

ان مفهوم الكونسورتيوم يعد حديثاً نسبياً، لذا لم يتم ادراجه كمصطلح وتنظيم قانوني في نصوص القوانين فلابد لنا لكي نتعرف على هذا المفهوم الرجوع الى تأصيل هذا المفهوم وربطه في نصوص العقود بشكل عام ونصوص العقود الانشائية بشكل خاص. ولكي نتعرف على هذا المفهوم قمنا بتقسيم هذا المطلب الى فرعين نتطرق في الفرع الأول الى تعريف تحالف الكونسورتيوم وفي الفرع الثاني نتحدث عن خصائص تحالف الكونسورتيوم.

 

 

 

الفرع الأول: تعريف تحالف الكونسورتيوم

 

نشأ مصطلح الكونسورتيوم في اللغة اللاتينية ويلفظ كونسوتيوConsortio) ) وهو يشير الى عدة معاني مثل: (التعاون، المشاركة، الملكية المشتركة)، وهي كلها معان تشير الى المضمون الفني والطبيعة القانونية للكونسورتيوم [1]. وأشار قاموس المورد [2]الى تعريف معنى الكونسورتيوم بانه الاتحاد المالي: " اتحاد بين بعض المؤسسات المالية الكبرى لتمويل مشروعات تحتاج الى رأس مال ضخم". وعرفه موقع قاموس المعاني عربي انجليزي بأنه: (اتحاد شركات او مصارف لتنفيذ مشروع معين[3]).

وقد تعددت تعاريف الكونسورتيوم في الاصطلاح وذلك بسبب اختلاف الآراء الفقيه حول وضع تعريف قانوني لتحالفات الكونسورتيوم حيث يرى البعض بانه: (مجرد ترتيب تعاقدي بين عدة شركات، تتعهد معاً بالقيام بمشروع مشترك، دون أن تندمج في كيان قانوني مستقل)[4]. وهو بهذا التعريف حصر أطراف التحالف بالشركات التي تتمتع بالشخيصة الاعتبارية ووفقاً للمادة (8) من قانون الشركات التجارية البحريني[5] فإن جميع الشركات التجارية ما عدا شركة المحاصة تكتسب الشخصية الاعتبارية، وكذلك أورد المنظم السعودي في المادة (14) من نظام الشركات السعودي[6].

حيث أن الشخصية الاعتبارية هي وصف قانوني يضاف الى كل من يعتبر في نظر القانون صاحب حق أو ملتزما بواجب طبقاً لقواعده. وان تحالفات الكونسورتيوم يمكن أن يكون أحد أطرافها شخصية طبيعية، وليست حكراً بين أطرافها على الشخصيات الاعتبارية، لذا فإن هذا الرأي لم يعطي من وجهة نظرنا تعريف دقيق لتحالف الكونسورتيوم.

ويرى اتجاه فقهي آخر بإن تعريف الكونسورتيوم: (هو عبارة عن اتفاق يبرم بين أشخاص طبيعية أو معنوية محلية أو أجنبية، يتضمن التزامات كل جانب في تنفيذ مشروع معين، لمدة محدودة، من أجل تحقيق الربح، دون أن ينشأ عن هذا العقد كيان ذاتي أو شخصية قانونية مستقلة)[7]. وحيث أننا نرى بأن هذا التعريف قد جمع بين شخصية أطراف التحالف بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية فبموجب هذا التعريف فإن الاتفاق يتم بتجميع الحلفاء في كيان غير مستقل عن مكونيه الذين يحتفظون بشخصيتهم المستقلة، ويحدد هذا الاتفاق الأهداف المشتركة لتنفيذ المشروع، ويتم وضع الميزانية والتمويل له، وتخصيص التكنولوجيا والتقنية التي يحتاجها، ويتم تعيين التزامات وواجبات الأطراف المتحالفة ليقوم كل شريك بتنفيذ الجزء الذي يقع على عاتقه.

 

وبما أن هذا التحالف لا ينشئ شخصية معنوية مستقلة عن أطرافه، حيث تمكنه من مواجهة الغير ككيان مستقل عن الأطراف المكونين له، لذا نرى بان تعريف الكونسورتيوم هو: (عبارة عن عقد تحالف مؤقت بين الشخصيات القانونية المكونة له لتنفيذ مشروع معين، يحدد به التزامات وواجبات والمدة الزمنية لكل طرف في التنفيذ، دون أن ينشأ عنه شخصية اعتبارية مستقلة عن اشخاص أطرافه).

 

الفرع الثاني: خصائص تحالف الكونسورتيوم

 

لكي نبحث في خصائص تحالف الكونسورتيوم يجب علينا بدايتاً ان نفرق بين عقد الكونسورتيوم وتحالف الكونسورتيوم، وهو تفريق جوهري لمعرفة تلك الخصائص لكل منهما وهي كالتالي:

  1. خصائص عقد الكونسورتيوم: هو ذلك العقد المكتوب الذي ينشئ بين أعضاء تحالف الكونسورتيوم، ويعتبر العقد النتيجة النهائية للاتفاق التام بين اطرافه، وباعتباره عقد فإنه تطبق عليه الخصائص العامة للعقود التي يندرج معها كونه من العقود الرضائية، ومعنى التراضي هو تطابق الايجاب والقبول كتعبيرين عن إرادة أطراف العقد[8]. ولكن هناك خصائص خاصة بهذا العقد وهي[9]:

 

  • الكونسورتيوم عقد ملزم للجانبين: فهو عقد ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين، أي يعتبر كل متعاقد بموجبه دائناً ومديناً[10]، والظاهرة الجوهرية في العقد الملزم للجانبين هو هذا التقابل القائم ما بين التزامات أحد الطرفين والتزامات الطرف الآخر. فبعقد الكونسورتيوم تقوم التزامات بين الأطراف المتحالفة بحيث يحدد العقد هذه التزامات والواجبات لكل طرف في هذا التحالف لإنجاح هذا التحالف.

 

  • الكونسورتيوم عقد من عقود المحددة: وتحالف الكونسورتيوم هو تحالف مؤقت محدد في المدة الزمنية ومحدد في المشروع المتحالف فيه، فالعقد المحدد المدة هو الذي تحدد فيه وقت التعاقد التزامات كل من طرفيه والفائدة التي سيحصل عليها من تعاقده.

 

 

 

 

  • الكونسورتيوم عقد مرن: بحيث ان الأطراف المتحالفة تستطيع التعديل ف بنوده حسب نوع المشروع والمصالح المشتركة والمخاطر التي تهدد المشروع بما يتناسب مع التخصص لكل طرف والتزاماته في تنفيذ الجزء الخاص به من هذا المشروع.

 

  1. خصائص تحالف الكونسورتيوم: وهو ذلك التحالف الذي ينشئ نتيجة لذلك العقد الذي تم بين اطرافه بحيث يكون بينهم تحالف لتنفيذ مشروع معين ويكون هذا التحالف في مواجهة صاحب المشروع ويتميز بالخصائص التالية:

 

  • استقلالية تحالف الكونسورتيوم عن اطرافه: أن الميزة الأساسية من اللجوء الى تحالفات الكونسورتيوم هي استقلالية الكيان القانوني للأطراف عن هذا التحالف المؤقت، بحيث يحتفظ كل طرف بشخصيته المستقلة عن باقي الأطراف.

 

  • للتحالف قيادة خاصة: يتم تعيين قائد مشترك عن الكونسورتيوم بحيث تكون مهمته التنسيق والتحدث باسم أعضاء الكونسورتيوم ونيابة عنهم، بحيث توجه إليه التبليغات والمراسلات كافة[11].

 

  • قوة التحالف: يعطي التحالف القوة لأعضائه بحيث يكون بينهم القوة الاقتصادية والانشائية والتكنولوجية وذلك من خلال التكامل بينهم في مصادر هذه القوة من حيث تبادل الخبرات والمهارات والتخصص لكل عضو في التحالف، مما يعطيهم الأفضلية في السوق الوطني والدولي.

 

  • المشاركة في المخاطر: بحيث يوجد هذا التحالف الأرضية المشتركة بين اعضاءه لتقليل حدة المخاطر في تنفيذ المشاريع الضخمة او على الأقل يكون كل عضو مسؤول عن السيطرة على التهديدات الخاصة بالجزء الخاص به في تنفيذ المشروع.

 

 

 

 

 

المطلب الثاني

الطبيعة القانونية لتحالف الكونسورتيوم

 

لقد اثار هذا الأسلوب من الأطر التعاقدية حول طبيعته القانونية، فتحالف الكونسورتيوم كما أسلفنا يعتبر عقد ذو طبيعة خاصة ولم يتفق الفقه القانوني على طبيعته، فقد أصبح تحالف الكونسورتيوم في الوقت الحاضر من التحالفات المهمة بسبب تقدم عقود المقاولات الانشائية وتطورها ودخولها مرحلة جديدة، وبالنظر الى هذا التحالف وتنوع الأعمال التي يرد عليها، ولغياب النص التشريعي المنظم له فقد اقتضت الحاجة الى تأصيل هذا التحالف العقدي لبيان وتوضيح طبيعته فإن تحالف الكونسورتيوم كما بينا في تعريفه ينصب على علاقة تعاقدية بين اطرافه لتنفيذ مشاريع انشائية معينة وبذلك يعتبر نوع هذا العقد (عقد مقاولة انشائية) رضائي لا يشترط في انعقاده شكل معين وعقد المقاولة كما عرفته المادة (584) من القانون المدني البحريني على انه: (عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين أن يؤدي عملا للطرف الآخر مقابل عوض، دون أن يكون تابعاً له أو نائباً عنه).

 وعرفه الفقه القانوني عقد المقاولة: (هو عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر)[12]. اما المنظم السعودي فعرفه بأنه (الشخص الطبيعي او الاعتباري المرخص له نظاماً بالقيام منفرداً أو مشتركاً مع غيره لتنفيذ عقد في أحد المجالات المحددة في اللائحة) بحيث حدد الشروط الواجب توفرها فيه حتى يمكن اعتماده نظاماً[13].

وعليه نجد بإن الكونسورتيوم عقد مقاولة رضائي بحيث يقع التراضي على عنصرين وهما الشيء المطلوب صنعه أو العمل المطلوب تأديته من المقاول وهو أحد المتعاقدين، والأجر الذي يتعهد به رب العمل وهو المتعاقد الآخر. ولا يشترط في انعقاده شكل معين حيث ان الكتابة في عقد المقاولة لا ضرورة لها الا في اثباتها، مع العلم بأن اغلب التشريعات لم تنص على قواعد خاصة في اثبات عقد المقاولة، مما يعني بأن عقد المقاولة يخضع في اثباته للقواعد العامة.

 اما شكل هذا العقد فهو امر اختلف عليه الفقه القانوني حيث اعتبره البعض بانه شركة محاصة[14] وبالرغم من تشابهه مع شركة المحاصة في عدم وجود شخصية معنوية ولكنه يختلف عنها بأن الأطراف يعرفهم رب العمل ويوقعون على الاتفاق بأنفسهم، وهي بذلك تختلف عن شركة المحاصة.

 

 

واعتبره البعض الاخر شركة واقع او شركة فعلية او شركة تضامن، ونحن نرى بانه لا يمكننا أن نعتبر أن الكونسورتيوم يأخذ شكل من اشكال الشركات ولا يمكننا اعتبار الكونسورتيوم شخصية اعتبارية ذات كيان قانوني فهو لم يستوفي إجراءات انشاء وتكوين الشركة القانونية، بل هو تحالف بين اشخاص القانون بهدف الربح والانتشار، وذلك من خلال التكامل في التخصصات الذي تفرضه طبيعة العقود الانشائية بين الشخصيات المتحالفة دون أن يصبغ هذا التحالف بتكوين شخصية اعتبارية مستقلة عن أطرافه.

وسوف نوضح في هذا المطلب الطبيعية القانونية لتحالف الكونسورتيوم من خلال تقسيمه الى فرعين نخصص الفرع الأول الى بيان أنواع تحالف الكونسورتيوم وفي الفرع الثاني نفرده لبيان أطراف تحالف الكونسورتيوم.

 

الفرع الأول: انواع تحالف الكونسورتيوم

 

تقسم تحالف الكونسورتيوم الى نوعين هما الكونسورتيوم الافقي والكونسورتيوم الرأسي وهما كالتالي:

  • الكونسورتيوم الأفقي[15]:

يقصد بالكونسورتيوم الأفقي هو الاتفاق الذي بموجبه يقوم جميع الأعضاء بتوقيع العقد مع الجهة المتعاقدة، وهم بذلك يكون كل طرف من اطراف تحالف الكونسورتيوم في علاقة مباشرة مع الجهة المتعاقدة، ومن ثم يكون اطراف تحالف الكونسورتيوم مسؤولين إزاء الجهة المتعاقدة معهم، وإنه يمنح الجهة المتعاقدة الحق في الرقابة على تكوين الكونسورتيوم والذي يفسره واقع هذا الكونسورتيوم، بما انه تحالف مؤقت ومتجرد من الشخصية المعنوية، ومن ثم فمن حق الإدارة أن تتأكد من الكفاءة الفنية والمالية لأعضاء الكونسورتيوم في مرحلة إبرام العقد.

 

  • الكونسورتيوم الرأسي[16]:

فيقصد به أن يقوم طرف واحد من أطراف تحالف الكونسورتيوم بإبرام العقد مع الجهة المتعاقدة، ثم يقوم هذا الطرف نفسه بتكوين الكونسورتيوم مع باقي الأطراف لتنفيذ المشروع، ومن ثم فإن الجهة المتعاقدة في هذه الحالة لن تعرف باقي الأطراف المتحالفة في الكونسورتيوم، وبما ان تحالف الكونسورتيوم يكون بعد إبرام العقد، فإن الجهة المتعاقدة لا تكون في علاقة مباشرة مع باقي اطراف التحالف، لذلك يوصف الكونسورتيوم الرأسي بأنه كونسورتيوم أبكم، وهذا النوع من الكونسورتيوم لا يؤدي إلا دوراً محدوداً جداً في مجال العقود الدولية للإنشاءات.

 

الفرع الثاني: أطراف تحالف الكونسورتيوم

 

ان الأصل في عقود المقاولات الانشائية ان يكون هنالك طرفين للعقد رب العمل من جهة، والمقاول او المقاول والمهندس من جهة أخرى، غير ان التطور الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي خرج عن هذه القاعدة فأصبحت شركات المقاولات تستحوذ على اعمل التشييد والبناء بما لها من خبرة واعمال تنافسية مميزة فتغير معها بالتالي أطراف العقد، وعليه فإننا سنتطرق لتحديد أطراف عقد تحالف الكونسورتيوم وهم كالتالي:

 

  • صاحب العمل أو الجهة المتعاقدة:

وهو الشخص او الجهة صاحبة المشروع المراد إقامته، ولم يعرف القانون المدني البحريني صاحب العمل واكتفى ببيان الالتزامات والحقوق الخاصة به ضمن تعريفه لعقد المقاولة، ولكن تمت الإشارة اليه في الشروط العامة لعقد الفيديك الموحد صاحب العمل أنه (الشخص المسمى بصاحب العمل في ملحق عرض المناقصة وكذلك خلفاءه القانونيين)[17].

 

  • أعضاء تحالف الكونسورتيوم:

يختلف تدخل أعضاء تحالف الكونسورتيوم كأطراف في عقد، حسب نوع تحالف الكونسورتيوم، ففي الكونسورتيوم الافقي يكون الأعضاء في مواجهة صاحب العمل كطرف متحد واحد، بحيث انهم يشكلون تحاف مشترك كمتعاقد واحد في مواجهته، فيكون صاحب العمل طرف وأعضاء التحالف طرف ثاني. اما في الكونسورتيوم الرأسي فأن أعضاء التحالف لا يكونوا متحدين في مواجهة صاحب العمل، حيث ان العضو المتعاقد معه هو الطرف الوحيد الذي يكون في مواجهته، فيكون صاحب العمل طرف في العقد والعضو المتعاقد هو الطرف الثاني، اما بقية الأعضاء فليس لهم علاقة مباشرة امام صاحب العمل، فليسوا طرفاً في العقد فيكونوا متحدين ومتعاقدين فقط فيما بينهم من الباطن.  

 

 

 

 

 

 

 

        المبحث الثاني

التنظيم القانوني لتحالف الكونسورتيوم

ان تحالف الكونسورتيوم هي تحالف اقتصادي وقانوني ذات طبيعة خاصة، يهدف الى إيجاد التكامل في الالتزامات المتبادلة بين أعضائه في تقديم الخبرة الفنية والتكنولوجية والمالية في إطار تنظيمي تعاقدي لتنفيذ المشروعات المشتركة بينها. دون أن يكون له شخصية قانونية مستقلة إدارياً أو مالياً عن أعضائها. وعليه تكون لها أحكام قانونية خاصة به سنبحثها في مبحثنا هذا ضمن المطلب الأول، ونبحث في المطلب الثاني آثار وانقضاء تحالف الكونسورتيوم.

المطلب الأول

الأحكام القانونية في تحالف الكونسورتيوم

 

يتميز تحالف الكونسورتيوم بجانب من التعقيد في علاقة الأطراف المتحالفة مع بعضها البعض، وبين علاقة الأطراف والجهة المتعاقدة والغير، حيث ان هذه الرابطة التعاقدية ليس لها كيان اعتباري يسهل الرجوع اليه، وبما ان هذا التحالف قوامه العمل التكاملي المشترك فيجب تحديد أطر المسؤولية لكل عضو فيه، وعليه سوف نقوم ببحث هذه المسؤولية في الفرع الأول ونقوم بتخصيص الفرع الثاني لبيان حكم عدم وجود رأس مال مشترك.

 

الفرع الأول: المسؤولية القانونية للأطراف المتحالفة

 

لا شك أن دور المسؤولية المدنية يبقى في قمة المسائل القانونية المهمة في التشريعات القانونية التي ترمى الى مواكبة التطورات المختلفة بكافة الأصعدة وما تؤطره من ضمانة قانونية، ولا ينأى عن هذا الهدف الدور الذي يلعبه تحالف الكونسورتيوم، ذلك لأنه لا توجد نصوص قانونية منظمه لهذا العقد، لذا لابد من وضع احكام لهذه المسؤولية التي يطلق عليها كذلك (الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالتزام قانوني[18])، كما وقد تعرف بانها التعويض عن الضرر الناجم عن الاخلال بالتزام مقرر في ذمة المسؤول[19]. بيد أنه يجب علينا تحديد طبيعة العلاقة في الكونسورتيوم لكي يتم تحديد طبيعة المسؤولية تبعاً لهذا العلاقة:

 

 

  1. المسؤولية في علاقة أعضاء تحالف الكونسورتيوم فيما بينهم:

نظراً للدور الذي يلعبه تحالفات الكونسورتيوم في اتحادها في حلف عقدي مؤقت لتنفيذ مشروع معين، فإن هذه العلاقة بين المتحدين في الكونسورتيوم تخضع الى عقد تعاون يتم كتابته بينهم، ويتم تحديد الالتزامات والواجبات واتخاذ القرارات طبقاً لهذا الاتفاق المبرم[20].

 

ويتم تشكيل مجلس إدارة يقود هذا التحالف في علاقته مع الجهة المتعاقدة ومع الغير في تنفيذ هذا المشروع، وكما تم ذكره سابقاً بإن الكونسورتيوم لا يشكل كيان اعتباري مستقل عن مكونيه حيث يتمتع كل شريك متحالف بكيانه القانوني المستقل، فلا توجد ذمة مالية موحده بين الشركاء المتحالفين في الكونسورتيوم، فتكون المسؤولية انفرادية على المتحالف الذي سبب الخطأ فهنا لا يمكننا افتراض المسؤولية التضامنية فيما بين المتحالفين بدون الاتفاق عليها صراحتاً بينهم. فكل متحالف يكون مسؤولاً عن الجزء الخاص به في تنفيذ المشروع والذي يكون هو المختص الوحيد به في هذا التحالف وان أي خطأ يقع في تنفيذ هذا الجزء تكون المسؤولية تبعة لذلك تقع عليه وحده دون بقية أعضاء التحالف[21].

 

  1. المسؤولية في علاقة أعضاء تحالف الكونسورتيوم مع الجهة المتعاقدة:

تقوم الجهة المتعاقدة بتحديد المشروع الذي يرغب في تنفيذه وذلك من خلال مجموعة متطلبات لإقامته وأهدافه ويقدم على التعاقد مع هذه الجهة مجموعة من الشركات او الأشخاص المقاولين المتحدين بحلف فيما بينهم لتنفيذ هذا المشروع بالمتطلبات الخاصة بالجهة المتعاقدة، حيث أشار الفقه القانوني[22] ان أعضاء هذا التحالف يقدمون نوعاً من التضامن الاتفاقي في مواجهة هذه الجهة، بحيث يتحمل الحلفاء المسؤولية عن الأخطاء الناجمة عن تنفيذ هذا المشروع، ويتم تحديد فيما بينهم باتفاق خاص مسؤولية كل عضو في التحالف عن خطأه في تنفيذ الجزء الخاص به[23].

 

ويهدف هذا التضامن الاتفاقي الى حماية حقوق الجهة المتعاقدة الذي يخوله الرجوع بالمسؤولية العقدية على أعضاء تحالف الكونسورتيوم فرادى او مجتمعين.

 

وهو ما اشارت اليه بهذا المفهوم ايضاً الشروط العامة لعقد الفيديك في المادة 14/1 بحيث إن قام المقاول بموجب القوانين الواجبة التطبيق مع الآخرين بتشكيل أي تجمع أو مشاركة مكونة من شخصين أو أكثر في شكل يختلف عن الشركة فيعتبر هؤلاء الأشخاص مسؤولين بالتضامن وبشكل فردي أمام صاحب العمل في تنفيذ العقد، وعليهم ابلاغ

 

 

 

صاحب العمل عن اسم قائدهم، بحيث سلطة إلزام المقاول وكل من هؤلاء الأشخاص، على ان لا يقوم المقاول بتغيير التكوين القانوني لذلك التجمع دون موافقة المسبقة من صاحب العمل. [24]

 

الا اننا نرى بان تحالف أعضاء الكونسورتيوم لا ينطبق عليه الالتزام التضامني فيما بينهم، بل يكون هنالك التزام تضاممي بين الأعضاء. فالالتزام التضامني التزام يتعدد فيه المسؤولون عن ذات الدين مع وجود تضامن فيما بينهم على اداءه، فإن التضامن يقع بين المدينين في الحياة العملية، ويكون مصدره اما الاتفاق او نص القانون فهو ليس مفترض طبقاً لصريح نص المادة (263) من القانون المدني البحريني والتي اشارت الى انه: (التضامن بين الدائنين أو المدينين لا يفترض، وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون).

 

 مما يجعل الالتزام وان كان متعدد للروابط الا انه موحد في المحل الذي نشأ عن وحدة المصدر، مما ينتج نيابة تبادلية بين المدينين، حيث ان التضامن يقتضي ان يكون بين الأطراف المتعددين شراكة او ان ينصب على مصلحة مشتركة، ففي تحالف الكونسورتيوم يكون كل عضو مسؤول عن جزئية محددة من المشروع ملتزم بإدائها على أكمل وجه ولا يتشارك مع باقي الأعضاء في الربح والخسارة في تنفيذ هذا الالتزام، فطبيعة الالتزام بين أعضاء تحالف الكونسورتيوم هنا نرها تضاممية وليست تضامنية، والمقصود بالالتزام التضاممي هو ان يكون (عدة افراد مسؤولين عن امر واحد ولكن لأسباب مختلفة وتكون المسؤولية كاملة بغير تضامن بينهم)[25].

 

حيث يلتزم أعضاء تحلف الكونسورتيوم بكل الدين ايضاً، لكنهم يلتزمون ((بأداء مماثل ولا يقبل التجزئة ويرجع ذلك الى تعاصر التزامات مميزة ولكنها ترمي الى هدف واحد ففي التضامم يوجد مدينون متعددون ملتزمون في مواجهة شخص اخر بالتزامات متماثلة))[26]، وتطبيقاً على ذلك ان أعضاء تحالف الكونسورتيوم لا تجمعهم ولا تربطهم مصلحة مشتركة بسبب تعددية الالتزامات وتعدد المصدر الذي التزم بموجبة كل واحد منهم ودونما تضامن بينهم وبذلك استبعدت المصلحة المشتركة، وبالنتيجة عدم إمكانية وجود نيابة تبادلية بينهم[27]، وبالتالي وبانتفاء فكرة النيابة التبادلية فإن الاثار التي تترتب في الالتزام التضامني لا تترتب هنا في الالتزام التضاممي[28].

 

  1. المسؤولية في علاقة أعضاء تحالف الكونسورتيوم مع الغير:

إن الوقوف على حدود المسؤولية لأعضاء تحالف الكونسورتيوم في التعامل مع الغير، يتطلب البحث في طبيعة هذه العلاقة، فلتنفيذ المشروع كما ذكرنا أنفاً، يستلزم من أعضاء الكونسورتيوم تشكيل مجلس اداره ليتابع سير العمل في تنفيذ المشروع، والتعاملات والتعاقدات مع الغير الذي يتطلب التعامل معه في تنفيذ المشروع مثل الموردين والمقاولين من الباطن.

 

 وهنا نفرق بين تعامل العضو المتحالف في الكونسورتيوم مباشرة مع الغير في تنفيذ الجزء الخاص به في

المشروع، فيكون الرجوع بالمسؤولية والتعويض عن الضرر هنا شخصية (فردية) على هذا العضو الذي بسببه حصل ذلك الضرر دون بقية أعضاء التحالف، اما المسؤولية الناشئة عن الالتزامات في التعامل مع الغير بواسطة مجلس إدارة تحالف الكونسورتيوم تعتبر تضاممية او شخصية.

 

 وقد اعتبرها بعض الفقه[29] مسؤولية تعاقدية وأساسها هي الوكالة باعتبار ان رئيس مجلس الإدارة عندما يتعامل مع الغير يتعامل بصفته وكيلاً عن أعضاء تحالف الكونسورتيوم حيث تجعل هذه الوكالة للمجلس صفة في مباشرة أمور تنفيذ المشروع دون ان يتجاوز المجلس حدود صلاحيته المقررة من إرادة الأعضاء المتحالفة وهو ما إشارة له القواعد العامة[30]للوكالة.

 

الا اننا نرى بإن مفهوم النظام القانوني للوكالة لا يمكن تكيفه على علاقة مجلس إدارة تحالف الكونسورتيوم مع الأعضاء المتحالفة، كون هذا التحالف لم ينجم عنه كيان مستقل عن الأعضاء المكونة له فلا يوجد تضامن بالمسؤولية بتعامل مع الغير. وعلى الغير عند حدوث ضرر له الرجوع مباشرة على العضو الذي تعامل معه بهذا التحالف نتيجة ادارته بالجزء الخاص به.

 

الفرع الثاني: عدم وجود رأس مال مشترك

ان تحالف الكونسورتيوم كما تم ذكره سابقاً لا ينشئ كيان قانوني مستقل عن أعضائه، فهو بذلك لا يمكن اعتبار التحالف كيان ذو شخصية اعتبارية خاصة، وباعتبار انه لا ينشئ هذه الشخصية الاعتبارية فأنه لا يرتب وجود ذمة مالية مستقلة عن أعضائه.

 

نتيجة لذلك فإن الكونسورتيوم لا يكون له رأس مال مشترك، فإن كل عضو فيه يلتزم بجزء محدد من تنفيذ المشروع الذي اتفق عليه بعقد التحالف بين أعضاء الكونسورتيوم، وعليه يكون لكل عضو رأس ماله الخاص في تنفيذ الجزء الخاص به.

  وعلى الرغم من ذلك فإنه هنالك تعاون مشترك في المصروفات في النفقات المشتركة في مرحلة التعاقد وتخطيط واتمام التنفيذ، وهذا التعاون المشترك يكون منصوص عليه في عقد التحالف بحيث بأن كل عضو يساهم بالقدر المخصص له من اعمال بجزئه في تنفيذ هذا المشروع.

وهذه النفقات المشتركة لها ميزانية خاصة تدفع من الأعضاء تكون في حساب مصرفي مشترك خاص بأعضاء الكونسورتيوم يكون المشرف عليها مجلس إدارة الكونسورتيوم من مرتبات للموظفين في المجلس والنفقات الإدارية والفنية. ((وعدم وجود رأس مال مشترك بين أعضاء الكونسورتيوم يعد أحد السمات المهمة والاساسية المميزة له عن نوع آخر من الاتفاقات الاتحادية المؤقتة، وهو المشروعات المشتركة التعاقدية، حيث إنه يوجد رأس مال مشترك بين أعضاء المشروع المشترك التعاقدي يتكون من مجموع مساهمات الحصص المقدمة من أعضائه))[31].

 

المطلب الثاني

انقضاء تحالف الكونسورتيوم

 

كما ذكرنا سابقا ان تحالف الكونسورتيوم هو عبارة عن اتفاق تعاقدي بين اعضاءه لا ينشأ عنه أي شخصية اعتبارية وبذلك فإن هذا التحالف يحكم انقضاءه احكام الرابطة العقدية بين اعضائه بمعنى الاحكام العامة بالعقود وبما ان تحالف الكونسورتيوم له خصائصه المميزة سنبحث بطرق انقضائه وذلك من خلال مطلبين الأول سنتكلم عن انقضاء هذا التحالف الطبيعي وفي المطلب الثاني سنتكلم عن انقضاء هذا التحالف اضطرارياً.

 

الفرع الأول: انقضاء التحالف الطبيعي

ان السبب في تحالف الكونسورتيوم هو رغبة الأعضاء في التحالف فيما بينهم لتنفيذ مشروع معين يكون كل عذو في هذا التحالف مسؤول عن اعماله في الجزء المحدد له في هذا المشروع، وبما ان من خصائص عقد الكونسورتيوم انه من عقود المدة وهي تلك العقود المحددة ضمن مدة زمنية وينتهي الكونسورتيوم بانقضاء المدة المحددة في الاتفاق التعاقدي الذي تم بين أعضائه، والذي تم به تحديد المدى الزمني الذي يجب أن يبقى خلاله هذا التحالف لتنفيذ هذا

 

المشروع. لان المدة تعتبر ركن من اركان العقد حيث ينتهي هذا العقد تلقائياً بانتهاء مدته بالرغم من انه لا يمنع أعضاء تحالف الكونسورتيوم من تجديد هذه المدة[32].

أو قد ينقضي هذا التحالف بانتهاء المهمة التي أسس لأجلها، وذلك كما هو الحال خصوصاً عندما يؤسس هذا التحالف في سبيل الرغبة في التعاقد لتنفيذ أحد المشاريع الكبرى، إذ ينقضي طبيعياً هذا التحالف عند تمام تنفيذ المشروع وتسليمه للجهة المتعاقدة.

 

الفرع الثاني: انقضاء التحالف الاضطراري

بما ان عقد الكونسورتيوم هو عقد خاص ولم يرتب المشرع له قواعد خاصة تحكمه ولكنه انقضاء يتفق مع القواعد العامة، فقد ينقضي هذا التحالف قبل انتهائه الطبيعي لعدة أسباب وهي كالتالي:

  1. استحالة التنفيذ:

بما ان عقد الكونسورتيوم الذي يبرم بين الأعضاء والجهة المتعاقدة هو من عقود المقاولة الانشائية فلقد نص المشرع البحريني على قاعدة عامة في استحالة التنفيذ كسبب في انقضاء هذا العقد وذلك في المادة (364) من القانون المدني البحريني والتي نصت على انه: (ينقضي الالتزام إذا ثبت المدين ان الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه). وتأسيس على ذلك فانه ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أنّ الوفاء به أصبح مُستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه ففي العقود المُلزمة للجانبين كعقد الكونسورتيوم إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المتقابلة له ويُفسخ العقد من تلقاء نفسه وإذا فُسخ العقد أُعيد المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.

 اما القاعدة الخاصة المقررة لهذا السبب في الانقضاء كونه عقد مقاولة فقد نص عليه المشرع البحريني في المادة (608) من القانون المدني البحريني على انه: (تنتهي المقاولة باستحالة التنفيذ العمل المعقود عليه لسبب لا يد لأحد الطرفين فيه..) فعندما يستحيل على أعضاء التحالف تنفيذ التزامهم العقدي مع الجهة المتعاقدة لسبب أجنبي لا يد لهم فيها فإنّ التزامهم ينقضي وينقضي تبعا له الالتزام المُقابل له من قبل الجهة المتعاقدة دونما حاجة إلى وجود اتفاق أو حكم قضائي.

اما بالنسبة لنظرية الظروف الطارئة فقد أشار المشرع البحريني الى القوة الملزمة للعقد حيث نص في المادة (128) من القانون المدني البحريني على انه: (العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز لأحدهما أن يستقل بنقضه ولا تعديل أحكامه إلا في حدود ما يسمح به الاتفاق او يقضي به القانون) ومع ذلك أشار المشرع الى احتمالية حدوث أمور استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين وهو ما نص عليه في المادة (130) من ذات القانون على انه: ( إذا طرأت بعد العقد وقبل تمام تنفيذه ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها عند إبرامه وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام الناشئ عنه وان لم يصبح مستحيلا صار مرهق للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، ان يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول، بأن يضيق من مداه أو يزيد في مقابله، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك).

  1. فسخ العقد

بما ان عقد الكونسورتيوم هو عقد ملزم للجانبين وهم أعضاء التحالف والجهة المتعاقدة، فينطبق عليه الاحكام العامة للفسخ في العقود الملزمة للجانبين حيث يعتبر الفسخ أحد صور المسئولية العقدية ويتمثل في حل الرابطة العقدية جزاء إخلال أحد طرفي العقد الملزم للجانبين بأحد التزاماته الناشئة عن العقد، وقد نظم القانون المدني البحريني الأحكام الخاصة بفسخ العقد والشروط الأساسية المطلوبة لإعمال طلب الفسخ والحكم به في المواد من (140-141) كما نظم الأثر المترتب على الفسخ في المواد (142-143-144) من القانون المدني.

 

فإذا أخل أعضاء تحالف الكونسورتيوم بأحد التزاماتهم كأن لم ينفذ أحد الأعضاء اعماله بطريقة تقضي بها أصول الصنعة[33]، فأحدث عيب في هذا التنفيذ لا يمكن إصلاحه وهو ما أشار اليه المشرع البحريني في المادة (590) من ذات القانون حيث أشار الى انه: (ويجوز طلب فسخ العقد دون حاجة الى انذار او تحديد اجل إذا كان اصلاح العيب او المخالفة مستحيلاً). او إذا تأخر أعضاء تحالف الكونسورتيوم في البدء في تنفيذ المشروع او قد حدث تأخير في الانجاز لا يرجى معه ان يتم التنفيذ كما هو متفق عليه وتسليم المشروع في الوقت المحدد وهو ما أشار اليه المشرع البحريني في المادة (591) من القانون المدني. او إذا لم تقم الجهة المتعاقدة بالتزامات المترتبة عليها كدفع المبالغ المالية المخصصة لتنفيذ المشروع في الوقت المحدد او احضار المواد الخاصة التي تكفل بإحضارها لتنفيذ المشروع جاز للتحالف ان يطالبوا في فسخ العقد وهو ما قرره المشرع في المادة (594) من ذات القانون.

 

اما بالنسبة للإقالة كسبب للانقضاء فإنه كما تنشأ الرابطة التعاقدية بالاتفاق بين أطراف عقد الكونسورتيوم والجهة المتعاقدة معهم، فإنها تحل كذلك باتفاق لاحق بينهما ويسمى هذا الاتفاق بالإقالة او بالتقايل او بالتفاسخ. وهو ما نص عليه المشرع البحريني في المادة (148) من القانون المدني البحريني على انه: (للمتعاقدين ان يتقايلا العقد برضائهما بعد انعقاده ما بقي المعقود قائما وموجودا في يد أحدهما..).

 

 

 

 

 

الخاتمة

ان تحالف الكونسورتيوم هو يعد من اهم الاتحادات التي تزيد من تطور البيئة الاقتصادية والمالية في العالم، وله إثر كبير في التحول الاستثماري الى مختلف دول العالم. لذا يوجب على التشريعات القانونية في الدول العربية خاصة ان تضع تنظيم قانوني خاص لأحكام هذا التحالف بحيث لا نلجأ الى القواعد العامة لاستنباط تلك الاحكام وفي بحثنا هذا كانت اهم نتائج التي توصلنا اليها:

  1. ان عقد الكونسورتيوم المنعقد بين أعضاء التحالف والجهة المتعاقد معها يمثل صورة من صور عقود المقاولات الانشائية لذا نرجع في الكثير من احكامه الى تلك الاحكام المنظمة لعقود المقاولات.
  2. ان تحالف الكونسورتيوم هو اتفاق تعاقدي بين أعضائه لا يشكل شخصية اعتبارية مستقلة عن أعضائه ولا توجد له ذمة مالية مستقلة وبالتالي لا يتصور ان يكون شركة من أي نوع.
  3. ان المسؤولية الناشئة عن تحالف أعضاء الكونسورتيوم في مواجهة الجهة المتعاقدة هي مسؤولية تضاممية وليست تضامنية حيث كما بينا فالروابط متعددة، والمصدر متعدد، والمحل واحد فلا يكون الاعضاء ملتزمين بطريقة التضامن لأن التضامن يقتضي أن يكون المصدر واحدا ولا متعددا، ولكن لما كان كل منهم ملزما بنفس الدين فقد تضامت ذممهم جميعا في هذا الدين الواحد دون أن تتضامن فالالتزام يكون التزاما تضامميا لا التزاما تضامنيا.
  4. ان اغلب الأبحاث والمراجع التي تتناول عقد الكونسورتيوم تتناوله من الناحية الاقتصادية وليست من الناحية القانونية لذا كانت هنالك صعوبة في البحث عن المعلومات.

التوصيات التي نطمح الى تحقيقها من هذا البحث:

  1. نوصي المشرع البحريني الى إيجاد تنظيم قانوني لأحكام عقد الكونسورتيوم وادرجها ضمن مواد الخاصة بأحكام المقاولات الانشائية.
  2. نوصي الباحثين والفقهاء في البحث والكتابة في هذا الموضوع من الناحية القانونية لما لهذا الموضوع من أهمية في الاستثمار الاقتصادي والمالي للدول.
  3. نوصي على الإدارات القانونية في الشركات العقارية والتجارية البحث والدراسة في تطوير ادارتهم لترقى الى إيجاد بيئة خصبة للدخول ضمن تحالفات دولية للأعمال الانشائية الضخمة.

 

 

 

 

 

 

المراجع

 

الكتب:

  1. احمد حسان مطاوع، التحكيم في العقود الدولية للإنشاءات، دار النهضة العربية، 2007
  2. أنور سلطان، مصادر الالتزام، دار الثقافة، عمان، 2007
  3. أنور سلطان، احكام الالتزام، دار النهضة العربية، بيروت، 1983
  4. السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، ج7، مجلد1، منشورات الحلبي، بيروت، طبعة 2011
  5. ثابت عبد الرحمن ادريس وجمال الدين محمد مرسي، الإدارة الاستراتيجية، الدار الجامعية، 2002
  6. عز الدين الدناصوري، عبد الحميد الشواربي، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف، الطبعة 7.
  7. ماجد عمار، النظام القانوني للكونسورتيوم، دار النهضة العربية، 1989
  8. محمد بهجت قايد، إقامة المشروعات الاستثمارية وفقاً لنظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T)، دار النهضة، 2000
  9. محمد محمد بدران، عقد الانشاءات في القانون المصري، دار النهضة، القاهرة 2001
  10. هاني صلاح سري الدين، اتفاقات الكونسورتيوم، ط1، دار النهضة العربية، 1999

 

الرسائل الجامعية والبحوث:

  1. إحسان شاكر عبد الله، النظام القانوني لاتحاد الشركات المؤقت (الكونسورتيوم)، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك، 2018
  2. علي مرضي العنزي، عقود الأشغال الدولية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2009.
  3. علاء الدين محمد حمدان، التعاقد مع الإدارة عن طريق الكونسورتيوم، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد الرابع، العدد الثاني، 2015
  4. نوري يوسف عبيدات، مسؤولية المقاول والمهندس في القانون المدني الأردني، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون، الجامعة الأردنية، 1987

 

القوانين:

  1. القانون المدني البحريني الصادر بالمرسوم رقم (19) لسنة 2001 ومنشور بالجريدة الرسمية العدد (2476) بتاريخ 9/5/2001.
  2. قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2001 ومنشور بالجريدة الرسمية العدد (2482) بتاريخ 20 يونيو 2001م.
  3. نظام الشركات السعودي الصادر بالمرسوم رقم (م/3) بتاريخ 27/1/1437.
  4. نظام تصنيف المقاولين المنشور في جريدة ام القرى العدد4097، الجمعة 21 ربيع الاخر1427.
  5. الشروط العامة لعقد الفيديك الموحد عام 1999، وزارة الأشغال والإسكان العامة الفلسطينية، لعام 2006، القدس

 

القواميس:

  1. منير البعلبكي، قاموس المورد، إنكليزي-عربي، دار العلم للملايين، بيروت، 1975.
  2. قاموس المعاني عربي انجليزي https://www.almaany.com

 


[1] علي مرضي العنزي، عقود الأشغال الدولية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2009، هامش ص 211.

[2] منير البعلبكي، قاموس المورد، إنكليزي-عربي، دار العلم للملايين، بيروت، 1975.

[3]  قاموس المعاني عربي انجليزي https://www.almaany.com

[4] محمد بهجت قايد، إقامة المشروعات الاستثمارية وفقاً لنظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T)، دار النهضة، 2000، ص 43.

[5] قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2001 ومنشور بالجريدة الرسمية العدد (2482) بتاريخ 20 يونيو 2001م.

[6] نظام الشركات السعودي الصادر بالمرسوم رقم (م/3) بتاريخ 27/1/1437.

[7] محمد محمد بدران، عقد الانشاءات في القانون المصري، دار النهضة، القاهرة 2001، ص347.

[8] أنور سلطان، مصادر الالتزام، دار الثقافة، عمان، 2007، ص 42.

[9] ثابت عبد الرحمن ادريس وجمال الدين محمد مرسي، الإدارة الاستراتيجية، الدار الجامعية، 2002، ص271.

[10] أنور سلطان، مرجع نفسه ص 15.

[11] محمد بدران، مرجع سابق، ص349

[12] السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، ج7، مجلد1، منشورات الحلبي، بيروت، طبعة 2011، ص5

[13] راجع نص المادة (2) من نظام تصنيف المقاولين المنشور في جريدة ام القرى العدد4097، الجمعة 21 ربيع الاخر1427.

[14] احمد حسان مطاوع، التحكيم في العقود الدولية للإنشاءات، دار النهضة العربية، 2007، ص218.

[15] علاء الدين محمد حمدان، التعاقد مع الإدارة عن طريق الكونسورتيوم، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد الرابع، العدد الثاني، 2015، ص 179.

[16] إحسان شاكر عبد الله، النظام القانوني لاتحاد الشركات المؤقت (الكونسورتيوم)، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك، 2018، ص237.

[17] الشروط العامة لعقد الفيديك الموحد عام 1999، وزارة الأشغال والإسكان العامة الفلسطينية، لعام 2006، القدس، ص3.

[18] نوري يوسف عبيدات، مسؤولية المقاول والمهندس في القانون المدني الأردني، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون، الجامعة الأردنية، 1987، ص18.

[19] عز الدين الدناصوري، عبد الحميد الشواربي، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء، منشأة المعارف، الطبعة 7، 1/18.

[20] محمد بدران، مرجع سابق، ص 349. وراجع ايضاً علاء الدين حمدان، مرجع سابق، ص 185.

[21] هاني صلاح سري الدين، اتفاقات الكونسورتيوم، ط1، دار النهضة العربية، 1999، ص 41.

[22] ماجد عمار، النظام القانوني للكونسورتيوم، دار النهضة العربية، 1989، ص71. احسان شاكر، مرجع سابق، ص225. علاء الدين محمد حمدان، مرجع سابق، ص179. محمد محمد بدران، مرجع سابق، ص 350

[23] هاني صلاح سري الدين، مرجع نفسه، ص 9-10.

[24] الشروط العامة لعقد الفيديك الموحد 1999، مرجع سابق ص 16، (1/14) -المسؤوليات المشتركة والمفردة:

إذا شكل المقاول (بموجب القوانين الواجبة التطبيق) ائتلافاً أو مشاركة أو أي تجمع من شخصين أو أكثر في شكل يختلف عن الشركة، فإنه يجب مراعاة ما يلي:

يعتبر وأن يقوم هؤلاء الأشخاص بإبلاغ صاحب العمل عن اسم قائد الائتلاف، وبحيث يكون قائد الائتلاف له سلطة إلزام المقاول وكل من هؤلاء الأشخاص. وأن لا يقوم المقاول بتغيير تكوين الائتلاف أو كيانه القانوني بدون الموافقة المسبقة من صاحب العمل.

 

[25] وأطلق عليها ايضاً المسؤولية المجتمعة على الالتزام التضاممي انظر الى السنهوري، مرجع سابق، ج5، 1050-1055. أنور سلطان، احكام الالتزام، دار النهضة العربية، بيروت، 1983، ص262

[26] عز الدين الديناصوري، مرجع سابق، ص503-504

[27] السنهوري، المصدر السابق، ج3، ص 287

[28] أنور سلطان، المصدر السابق، ص263

[29] محمد بدران، مرجع سابق، ص350. ماجد عمار، النظام القانوني للكونسورتيوم، دار النهضة العربية، 1989، ص77

[30] المادة (645) من القانون المدني البحريني نصت على انه: ( لا تجعل الوكالة للوكيل صفة إلا في مباشرة الأمور المحددة فيها وما تفتضيه هذه الأمور من توابع ضرورية وفقاً لطبيعة كل أمر وللعرف الجاري وما انصرفت اليه إرادة المتعاقدين) والمادة (646) نصت على التزامات الوكيل بحيث انه: ( الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة، على أن له أن يخرج عن حدود الوكالة متى كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفا وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان الا ليوافق على هذا التصرف وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة.)

[31] انظر علاء الدين محمد حمدان، مرجع سابق، ص 185

[32] السنهوري، مرجع سابق، ج1، ص564.

[33] السنهوري، مرجع سابق، ج7، ص239

دعوى بطلان حكم التحكيم

مقدمة أن معظم النظم القانونية تحاول ان تمارس قدرا معينا من الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية وتختلف هذه الرقابة على القرارات التحكيمية التي تصدر داخل [...]
إقرأ المزيد

إجراءات التنفيذ القضائي المباشر

مقدمة ان التنفيذ المباشر وفقاً للقواعد العامة يكون مباشراً بمواجهة كافة أنواع الالتزامات القانونية والتي تتضمن علاقة مديونية بين دائن ومدين، وعليه يمكننا القول [...]
إقرأ المزيد

ضمانات الإعلانات القضائية في القانون البحريني

مقدمة   يسعى القضاء الى توفير البيئة الخصبة للحماية القانونية او بالمعنى الادق حماية النظام القانوني كاملاً بحيث انه لا قانون بلا قاض[1]. لذا كان لزاماً عليه ان [...]
إقرأ المزيد