الموقع الرسمي للمستشار الدكتور




الإلتزامات التعاقدية في ظل وباء كورونا

نتيجة للظروف الاستثنائية التي تجتاح دول العالم،والتي تسببت بالاختلال في التوازن الاقتصادي للعقود، تسارع الأثر الكبير لها في عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية سوءا من الافراد او الشركات او الدول، فالأصل ان العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضة او تعديله الا باتفاق طرفيه فالمدين مسؤول عن تنفيذ التزامه مالم يكن هذا التنفيذ مستحيلا لسبب لا دخل له فيه اما ما هو دون ذلك من صعوبة التنفيذ او ارهاقه بالنسبة للمدين فلا أثر له بحسب الاصل على مسئوليته العقدية.

غير ان العقود التبادلية تقوم عادة على التوازن الاقتصادي الذييقدره اطرافها عند ابرام العقد لكي تحقق بالنسبة لكل منهما توازنا معقولا وعادلا،وهو ما يتم بشكل نسبى وتقريبيفي مفهومهما، وإن اختلاف التوازن الاقتصادي في العقد بسبب الظروف الطارئة يرجع إلى وقوع حوادث استثنائية عامة غير متوقعة لا يمكن دفعها، تجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة.

تنطبق نظرية الظروف الطارئة على العقود التي يفصل بين إبرامها وبين تنفيذها فترة من الزمن، فتنطبق على عقود المدة والعقود الفورية التي يتفق فيها على أجل لاحق لتنفيذ بعض التزامات المتعاقدين. وكذلك في الالتزامات المؤجلة التنفيذ، ولكن لا يجوز إعمال أحكام نظرية الظروف الطارئة إذا كان تراخي تنفيذ الالتزام إلى ما بعد وقوع الظرف الطارئ راجعاً إلى خطأ المدين.

وحتى يوصف الحادث بإنه طارئ لابد اولاً أن يكون الحادث استثنائياً، ويراد بالحادث الاستثنائي أن يكون الحادث مما لا يتفق مع السير الطبيعي للأمور بمعنى أنه بعيد عما ألفه الناس واعتادوه في حياتهم ومعاملاتهم اليومية العادية، ومن الحوادث التي تعتبر استثنائية الحروب والزلازلوالاضراب العام المفاجئ او الوباء العام الاستثنائيوالانهيار الاقتصادي غير عاديوغيرمتوقع. ثانياً أن يكون الحادث عاماً،بحيث ألا يكون خاصاً بالمدين فقط كإفلاسه أو موته أو مرضه بل يجب أن يكون عاماً شاملاً لطائفة من الناس.ثالثاً إرهاق المدين، أن إرهاق المدين يعتبر من أهم الشروط التي يجب الاعتماد عليها للقول بأن هناك اختلالا في التوازن الاقتصادي في العقد ومن ثم تطبيق نظرية الظروف الطارئة على الواقعة محل النزاع وعلى أن تتوافر الشروط الأخرى المقتضية لذلك.وهنا يطرح سؤال مهم نفسه وهو كيف يتم تحديد الإرهاق أو الخسارة الفادحة؟ حيث وإنه من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أنه يمكن للمحكمة الاستعانة بجميع وسائل الإثبات ومنها القرائن لتحديد اعتبار الوباء ظرف طارئ من عدمه، ودرجة الإرهاق أو الخسارة الجسيمة المؤكدة والثابتة التي تصيب المدين جراء تنفيذه لالتزاماته المترتبة عليه بموجب العقد الذي هو طرف فيه،وكيفية معالجةالاختلال في التوازن الاقتصاديبتعديل وموازنة الالتزامات بين الطرفين، وإذا تعذر ذلك يلجأ الى انفساخ العقد والتعويض.

وهذا الأمر هو الذي يميز نظرية الظروف الطارئة عن القوة القاهرة، حيث إن القوة القاهرة في حال تحققها تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً وبها ينقضي العقد، بينما الظرف الطارئ يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً دون أن يبلغ حد الاستحالة، والإرهاق هو الشرط الوحيد الذي ينتج أو ينشأ من العقد نفسه وينقل نظرية الظروف الطارئة من الميدان النظري إلى ميدان العمل. وإذا لم يحصل شرط الإرهاق امتنع تطبيق نظرية الظروف الطارئة.

مما تقدم نخلص الى ان الاختلال بالالتزامات العقدية في ظل وباء كورونا، يعطي الحق لإطراف العلاقة التعاقدية التي نشأت قبل انتشار الوباء وفرض الدولة للحظر، تعديل الالتزامات التعاقدية بما يتوافق مع التوازن الاقتصادي للعقد. والذي تنطبق عليه كافة شروط نظرية الظروف الطارئة وليست نظرية الظروف القاهرة التي تؤدي الى فسخ العقد.

المصدر 

سلطة القاضي بتعديل الالتزامات بعقد المقاولة

يعتبر عقد المقاولة من أقدم العقود التي يعتمد عليها الإنسان للحصول على الخدمات والأعمال، مما جعل عقد المقاولة ينتشر بصورة واسعة في الواقع العملي خاصة في مجال [...]
إقرأ المزيد

المال من عرق الاطفال

كانت مسألة حقوق الإنسان موضع اهتمام البشرية جمعاء منذ بدايات الحضارات القديمة، كما أكدتها الشرائع السماوية كافة، إذ إن حماية حقوق الأطفال كانت من أساسيات حقوق [...]
إقرأ المزيد

الثقافة القانونية في المجتمع

لا تستقيم الحياة ولا تزدهر أمة دون قوانين تحدد العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، وتوضح الحقوق والواجبات وأسس المعاملات، فالقانون هو الركيزة المرجعية الأساسية عند [...]
إقرأ المزيد